للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير بلده، ولا يعرف ذلك في بلد الشيخ (١).

وكذلك هذه الضوابط لا يفهم منها أنهم لا يستنكرون الحديث بالتفرد إلا مع وجودها، فهناك أمور دقيقة قد تصاحب التفرد توجب التوقف فيه واستنكار الحديث، وإن لم تتوافر ضوابط الرد المذكورة، ولذا قال ابن رجب: «أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه» (٢).

وما ذكره ابن رجب يمكن التمثيل له بحديث شبابة، عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عن عبدالرحمن بن يعمر في الدباء والمزفت، الماضي ذكره في الفصل الأول، فإن شبابة أحد المكثرين عن شعبة، ولذا دافع عنه ابن المديني من هذه الجهة، غير أن الأئمة تواردوا على استنكار حديثه هذا، وذلك لما انضم إلى التفرد من كون عبدالرحمن بن يعمر ليس له إلا حديث واحد، يرويه أيضا شعبة، وكذا سفيان الثوري، عن بكير بن عطاء، عنه، وهو حديث «الحج عرفة»، فيبعد جدا أن يكون بهذا الإسناد حديث آخر عند شعبة، ويفوت سائر أصحابه على كثرتهم، ويحفظه واحد منهم، مع أن فيهم من هو مقدم على شبابة، إما في الكثرة


(١) انظر من أمثلة ذلك: «علل ابن أبي حاتم» (٩٦٠)، (١١٤٠)، (١٣٢٥)، (١٣٩٢)، (١٩٤٨)، (٢٨٨٦).
(٢) «شرح علل الترمذي» ٢: ٥٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>