للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التصحيح لم يتمعن فيه الباحث، فعروة بن الزبير لم يسمع من أم حبيبة كما يظهر من ترجمتيهما، وليس له في الكتب عنها سوى هذا الحديث، وقد جاءت صيغة روايته في الوجه الموصول هكذا: عن أم حبيبة: «أنها كانت تحت عبيدالله بن جحش، وكان أتى النجاشي، فمات, وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة، وأنها بأرض الحبشة ... » الحديث، فهذا السياق يدل على أن قوله في الإسناد: عن أم حبيبة، لا يقصد به الرواية عنها، وإنما يقصد به حكاية قصتها، وهذا يفعله بعض الرواة تجوزا، كما تقدم شرحه في «الاتصال والانقطاع» (١).

فإذا اجتمعت صيغة الرواية، وكون عروة لم يسمع منها، ومجيء الحديث من طرق أخرى عن الزهري مرسلا, صار الوجهان -المرسل، والموصول في الظاهر- بمعنى واحد، ووقع الباحث بسبب عدم تدقيقه في الإسناد في إشكالين، مخالفة الإمام الذي رجح المرسل، مع أن الموصول بمعناه، فهو راجع إلى الإرسال، وتصحيح إسناد غير متصل.

٦ - إذا فرغ الباحث من النظر في إسناد الوجه الراجح, من جهة رواته, وسماع بعضهم من بعض, عليه أن يعود مرة أخرى إلى نتيجة النظر التي وصل إليها, في الاختلاف, ورجحان هذا الوجه عنده.

وأعني بذلك أن الترجيح في الاختلاف ليس على درجة واحدة، فهو يخضع للقرائن التي تم الترجيح بها كثرة وقلة, ووجود ما يعارضها, وما يتبع ذلك من من جزم الباحث بالترجيح, أو تردده, كما تقدم شرحه في المبحث


(١) «الاتصال والانقطاع» ص ٣١ - ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>