للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن: الجهابذة النقاد منهم، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف، والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس ... » (١).

ومع أن هذا المكان ليس مناسبا للإطالة في شرح ما تميز به أئمة النقد عن غيرهم، إلا أنني رأيت أنه من اللازم التعرض لشيء منه لمعرفة الجواب المناسب على السؤال المطروح وهو: إذا حكم إمام متقدم بحكم في حديث وقع فيه اختلاف، ثم ظهر للباحث من خلال قرائن الترجيح خلاف ما رجحه هذا الإمام، فهل يصح للباحث أن يخالفه؟

وأظن الإجابة -من خلال العرض السابق- باتت ظاهرة، فالذي يظهر لي أن الباحث عليه متابعة ذلك الإمام، وعدم الالتفات إلى ما ترجح لديه، فهذا أسلم له من جهة، وأليق بأصول هذا العلم من جهة أخرى، وقد رأيت للحافظ ابن حجر كلاما مناسبا للمقام هنا، أذكره للاستئناس به، فقد قال بعد أن أطال في الكلام على حديث أعله أئمة النقد، وصححه جماعة: «وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم - بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه، وكل من


(١) «اختصار علوم الحديث» ص ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>