للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار السخاوي إلى أمر هام جدا في ضرورة متابعة أئمة النقد في أحكامهم عند اختلاف الرواة، كما تقدم نقل كلمته في التمهيد، وهو أننا نتابعهم في أحكامهم على الرواة في الجرح والتعديل، فإذا وثق الواحد منهم راو أخذنا بقوله، وإذا جرحه فكذلك، ما لم يكن له معارض فيلزم النظر، فالباب واحد حينئذ، وقد تقدمت الإشارة إلى أن أئمة النقد إنما حكموا على الرواة في الغالب عن طريق مقارنة مروياتهم (١)، فبهذا يكتشفون قوة القوي وضعف الضعيف، فمن أخذ بقولهم في الرواة وترك قولهم في اختلاف الرواة فقد تناقض حينئذ ولا شك.

ويستوي في ذلك من ترك منهجهم في مقارنة المرويات والموازنة حين الاختلاف بالكلية، وسلك مسلك الفقهاء والأصوليين في النظر إلى الأسانيد مفردة، ومن يدعي أنه على منهج أئمة النقد في الموازنة والمقارنة لكنه عند التطبيق لا يبالي بأحكامهم، ويدعها لأدنى شبهة، ويضع نفسه في مصافهم، ويتكلم على الأحاديث بجرأة وإقدام كأنه واحد منهم، بل أكثر منهم جرأة وإقداما.

ولما كانت كلمة السخاوي من الأهمية بمكان فإني أعيد نقلها هنا، قال السخاوي في حديثه عن أحكام أئمة النقد: «هو أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث

-كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبدالبر- لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث


(١) انظر: «الجرح والتعديل» ص ٧٧ - ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>