من معاينة، قال: قد كنا نجهله قبل أن يترجم لنا سلمان البستانى (الالياذة) نظما، وكنا نبيح لانفسنا الحكم عليه، فلما أطلعنا على (الالياذه) وهى أعلى شعر الاغريق ومفخرتهم التاريخية حكما بأن اجدادنا لم ينبذوا شعرهم وراء ظهورهم، ألا لانهم وجدوه دون الشعر العربي في حكمة وسائر معانيه وأنه على ذلك محشو بالخرافات الوثنية التي طهر الله عقولهم ومخيلاتهم منها بالإسلام.
ومما يتصل بالنظرية اليونانية المحاولات الفكرية التي جرت في انكار فضل العرب على الثقافة العربية والعمل على التشكيك في مساهمة العرب في الحضارة ورد كل فضل إلى اليونان ثم الادعاء بأن العرب كانوا نقلة ومترجمين في الوقت الذي سجل لهم التاريخ الفضل في الاضافة والانماء للثقافة والعلوم التي ترجموها عن اليونانية.
وقد كانت أسبانيا العربية (الاندلس) بعيدة الأثر في ثقافة أوربا وحضارتها: سواء في الادب أو الموسيقى أو الفن أو العمارة.
وقد سجل أكثر من باحث ومؤرخ وفي مقدمتهم المستشرق الأسبانى الأب اسين بلاسيون الذي قال: أن شعراء (التروبادور) قد تأثروا بالشعر الاندلسى وأن قصص (سرفانينس) انما تصور في الحقيقة شهامة ونجدة الفارس العربي.
كما أشار غيره إلى أثر (ابن رشد) هذا الاثر الذي بقى في ايطاليا حتى القرن السادس عشر بعد أن نقدت مؤلفاته إلى اللاتينية، وقامت له مدرسة من الفلاسفة الأوربيين، كما نقلت أثار الطب وفي مقدمتها كتاب أبو القاسم الزهراوى في الجراحة الذي ظل يدرس في جامعات أوربا واكسفود بالذات حتى عام ١٧٧٨، كما خرجت جامعات طليطلة وقرطبة عددا من الباحثين الأوربيين الذين سجلوا أن ترطبة كان بها ٧٠ دارا للكتب و ٩٠٠ حمام بينما كانت أوربا تعيش في ظلمات القرون الوسطى، هذه القرون الوسطى الذي يطلقها الغرب على ازهر فترات الحضارة الإسلامية تعنتا منه وتعصبا فانما كانت القرون الوسطى ثقافة واجتماعيا، بربرية وظلاما على الغرب وحده.
أما في الاندلس العربية والشرق العربي كله فقد كانت بأزهر فترات اليقظة والنهضة وأنضر صفحات الحضارة والمدنية.
ولقد انهزمت هذه النظريات بأقلام كتاب كن الغرب نفسه، ومن المستغربين الذين استفاق ضميرهم إلى الحق كزكى مبارك وهيكل ومنصور فهمى.