للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن أنه ليس من المستطاع التصور بأن الخمسين ألفا من المشردين قد استطاعوا رغم المذابح والاضطهادات المنكرة أن يصبحوا - خمسة عشر مليونا من الألمان والسلاف يدينون بالدين اليهودي (دكتور محمد عوض محمد الهلال: يونيه ١٩٤٨).

ولم يعد هناك شك أن الصهيونيين تغلغلوا في الغرب واختلطوا بالشعوب الآرية في خلال هذه القرون الطويلة اختلاطا أضاع صلتهم باليهودية والسامية وصهرهم مع الشعوب التي اندمجوا فيها، وهى الشعوب الآرية مما أثر في آرائهم وتفكيرهم، لذلك لم يكن هناك ما يثبت أية رابطة بين الصهيونيين وبين الثقافة العربية الإسلامية التي عاشت مستقلة خلال تسعة عشر قرنا، ومن الحقائق المؤكدة أن الفكر العربي الإسلامي قد نفر من أساس الفكر الغربي وهو الإلحاد.

ولقد وقف يهودمن مصر أمثال جاستون زنانيرى في مؤتمر اللغات والآداب القديمة للبحر المتوسط في موناكو (نوفمبر ١٩٣٥) ليحاولوا الربط بين الصهيونية وبين السامية القديمة. ولم يكن هناك رد على مثل هذه الادعاءات من أن السامية بقيمها وبطولاتها وثقافتها القائمة على الدين والخلق والكرامة والوفاء تختلف تماما عن الصهيونية بمعالمها الجديدة ممثلة في بروتوكولات صهيون وفي الاغراق في المادية والدعوة إلى اشاعة الاباحة والرذيلة في العالم وتحطيم المعتقدات الإسلامية والمسيحية وسحق القيم الروحية والمعنوية واثارة الشكوك حول الألوهية وقيادة حركة التغريب.

وقد اتجهت الصهيونية إلى مثل هذا الغزو الثقافي عن طريق اعادة ربط العرب واليهود معا ازاء حملات أوربا على السامية، النزعة التي أطلق عليها Antrisemitim وهى في الواقع ليست موجهة إلى السامية بقدر ما هى موجهة إلى اليهود الصهيونيين دون غيرهم من الساميين.

وقد اشتدت دعوة (عداء السامية) في أوربا بعد صدور وعد بلفور وقيام الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا، فقد تكشف بالدلائل التي لا تقبل الشك أن اليهود هم زعماء الحركات الثورية والانقلابية في العالم، واليهم ينسب كل ما يقع من أزمات وحروب، ومنهم رؤساء الشيوعية وناشروها في العالم. وهم في نفس الوقت ملوك المال والصيرفة الذين يسيطرون على أسعار السلع وتقلب العملة والأوراق المالية، ولهم جهازا ضخما للاستعلام والجاسوسية في مختلف أنحاء العالم.

وأنهم قد استفادوا من الثورات الفرنسية ١٧٨٩ وأوقدوا نار الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ والثورة الروسية ١٩١٧ والثورة الايطالية ١٩٢٢ والثورة الاسبانية ١٩٣٠.

وأنهم حماة الدعوات المتضاربة سواء الرأسمالية الغربية أو الشيوعية الروسية وذلك بقصد خلق كتلتين في العالم وابقاء الصراع الدائم بين الشرق والغرب.

***

[الجامعة السامية]

وقد احتضنت بعض الدوائر في مصر فكرة (الجامعة السامية) التي نادى بها اليهود ونشرت صحفها أبحاثا عنها حيث كانت بريطانيا تفرض حمايتها على هذه التيارات المتعددة وتبيح لها الظهور امعانا في بلبلة اتجاه الفكر العربي، يقول قدمى كوهين (الأهرام - ٥/ ٧/١٩٣١) أنه بدأ منذ عام ١٩٢٢ في نشر سلسلة من الأبحاث حول (الجامعة السامية) وفي مقدمتها كتابه (افلاس الصهيونية) ويرى الصهيونية قائمة على قواعد واهية لا قيمة لها من الوجهة الأدبية والنفسية. أنها لن تسفر عن نتيجة ما لم تحل المسألة التالية وهي:

هل الصهيونيون الذين يعودون إلى فلسطين يكونون جلادى العرب فيجتاحون بلاد اخوانهم في الدم ويخونون فضلهم. أم يعودون إلى هذه البلاد للقيام بجميع الواجبات المفروضة على الشرقيين.

ويقول: الصهيونية أما أن تتحد مع الغرب أو مع الشرق. وفي الحالة الأولى تظل شيئا حقيرا لا أمل له في البقاء الا اذا وضع نفسه موضع الجشع الاستعمارى الأجنبي، وفي الحالة الثانية يكون مشروعا عظيما يبعث على أعظم الآمال في نفوس الجنس الذي ينتسب اليه "شعب الله الخاص" وهو دعو إلى الاتفاق بين العرب والصهيونيين ويقول "الغاية في نظرى اتحاد سامى يضم جميع البلاد الواقعة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر والأقيانوس الهندى وايران وتركيا وبين هذه الولايات المتحدة في الشرق الأدنى. وأنى أرى ولاية كبيرة يهودية تسع أبناء اسرائيل، والوسيلة الوحيدة المؤدية لذلك يجب أن نجدها في الجامعة السامية. أن النهضة العربية لا يمكن أن تسفر عن النتائج المنشودة دون معاونة اليهود ... كما أننا في حاجة إلى الاستعانة بالعرب ولغتهم البديعة لجعل لغتنا ملائمة لمقتضيات العصر. فأين يجد

<<  <   >  >>