هذه دعوة من دعاة التجزئة والتغريب معا وهى ليست قاصرة على لبنان وحده وانما هى: دعوة "فرنسية" تحاول أن تربط العالم العربي: المغرب بأقطاره ومصر ولبنان بأوربا. بدلا من ارتباطها بالأمة العربية، وهى أحدى نظريات التجزئة الثقافية وهى دعوة القول بأن لحوض البحر المتوسط وحدة جغرافية وتجارية واجتماعية وفكرية قوامها: الفكر اليوناني والنظام الرومانى والدين السامى وأن الذين ساهموا في ابداع هذه الحضارة: الفنيقيون أصحاب الفضل استنباط الحروف الهجائية ومن نماذج مصرية ويونانية ورومانية وسواهم وقد حاول الاستعمار الفرنسي أن يذيع دعوى أن اللبنانيين ليسوا عربا بل فنيقيين وأن حضارتهم هى حضارة البحر المتوسط وأنهم لا يمتون للعرب بصلة وقربى الا باللغة- كما نادى موسوليني ابان دعوته الفاشية إلى حضارة المتوسط- وقد حمل الاستعمار الفرنسي لواء الدعوة إلى بعث أمجاد الفنيقيين عن طريق الشعر العربي (قدموس- سعيد عقل) وجرت مع ذلك محاولة بعث اللغة العامية واتخاذها أداة الكتابة وقد دعمت نظرية البحر المتوسط والاتجاه إلى الغرب بدلا من الاتجاه نحو الشرق والصحراء.
كما حاولت فرنسا تأكيد الدعوة إلى حضارة المتوسط في المغرب كمحاولة لربط تونس والجزائر ومراكش بأوربا والغرب وفرنسا ووقف تيار الارتباط مع الأمة العربية التي هى جزء منها.
وقد واجه الفكر العربي هذه المعركة كما واجه أفكار التجزئة الأخرى وأعلن زيفها وشكك في جديتها، وقال ذلك أن الثقافة أمر معنوى ويمكن ربطه بالعوامل الجغرافية.
كما تبين أن الفنيقيين فرع من الأمة العربية، وأن الحضارة الفنيقية جزء من الحضارة العربية. وأن العرب عندما دخلوا معترك التاريخ سيطروا على البحر المتوسط حولوه إلى بحر عربي. وكان لثقافتهم أثرها في شاطئ البحر الأبيض المواجه، فقد تأثرت ايطاليا وفرنسا واسبانيا بهذه الثقافة.