انصبت حملة "التغريب" على ثلاث قيم هامة في الفكر العربي الإسلامي هى: الدين واللغة والتاريخ فقد كان مفهوما أن القضاء على العوامل الثلاث من شأنه أن يحقق لمعركة التغريب نصرا بعيد المدى.
***
[الحملة على الإسلام]
ولقد كان "الدين" عنصرا هاما في الفكر العربي الإسلامي ولايزال دعامة كبرى من دعائمه لا سبيل إلى تجاهل مدى خطرها وأثرها. كانت وستظل عاملا فعالا في الثقافة والحضارة الإسلاميتين والنهضة التي حققتها. وعندما أصيب الدين بالضعف ودخلت عليه القشور والزيوف والبدع وانتفت عنه عوامل القوة ممثلة في التجديد والاجتهاد كان مصدر الاضطراب والجمود الذي أصاب الوطن العربي والعالم الإسلامي، ولذلك فان ظهور أول حركة لتجديد الإسلام ورفع الزيوف عنه ممثلة في دعوة "محمد بن عبد الوهاب" كان علامة على يقظة الفكر العربي الإسلامي كان الدين عاملا هاما في حياة الأمة العربية وكان الإسلام وهو دين الاغلبية قد اسبغ حضارة عربية إسلامية اشتركت فيها جميع العناصر وكان لها أثرها الواضح في قوة الأمة الإسلامية وهيبتها، ولما كانت عناصر القوة والحرية والكرامة والوحدة والتجمع والذود عن الكيان والاجهاد في سبيل الله من ابرز عناصر الإسلام وهى اذا استيقظت في الأمة كانت عاملا بعيد المدى في مقاومة الاستعمار والقضاء عليه لذلك عول الاستعمار في غزوة الفكرى وحملته التغريتية في حشد اكثر قواه لزلزلة قواعد الإسلام والقضاء عليه وعزله عن المجتمع وتحطيم قواعده وأبعاده عن ميدان السياسة والاجتماع والفكر وسلبه سلطانه وفرض قوانين اجنبية وتشريعات غربية بدلا منه حتى تزول أثاره القوية في مقاومة الاستعمار.
من أجل هذا وجه الاستعمار للإسلام حملات عنيفة قاسية موصف الإسلام بأنه دين مناف للمدنية وأنه ليس صالحا الا للزمن الذي ظهر فيه ومحيط الصحراء الذي عاش فيه.
وحاول كرومر أن يقنع المصريين والعرب بأنهم لا يمكن أن يرقوا في سلم الحضارة والتمدن الا بعد أن يتركوا بالجمود والتعصب وبث فيهم روح البغض".
وردد هانوتو الفرنسي أن تقدم المسلمين مستحيل لأن الإسلام يحول دون ذلك، وأن كل حكومة أنفصلت عن الشرق وسارت على منهج أوربا نجحت وأن "موات" الشرقى وضعفه وتخاذله وتواكله "وحياة" الغربي وقوته وانتصاره مصدرها اتصال الأول بالدين وانفصال الثانى عنه، وأن الرابطة الوطنية أقوى من الرابطة الدينية.
وردد عشرات غيرهم مثل هذه الاتهامات حول النبى والقرآن والإسلام وزوجات النبى والطلاق وتعدد الزوجات ومجافاة الإسلام للمدنية، وتعصب الإسلام ومعاملة الأقليات والأجانب.
وجرت في هذا المجال محاولات نقد للأنظمة والشرائع القديمة واتهامها بأنها لم تعد صالحة نظرا لاختلاف الزمن وقيل أن أغلب هذه الأنظمة والآراء بدائية وذلك بقصد القضاء على قداسة الشريعة، وجرت محالات للمقاومة بين الأديان السماوية وأيجاد شته بينها ووضع الكتب السماوية موضع النققد وايجاد شبه وشكوك واحياء الأساطير والاسرائيليات والاحتفال بها وتحويلها إلى أدب وفن وتعمد الفصل بين الدين والقومية، والدين والتاريخ، والدين والأدب واذاعة مذاهب متطرفة في البحث تدعو إلى عدم الاحتفال بتمجيد الأمة والغض من تاريخها أو الاكثرات بنصر الإسلام او هزيمته ودون التقيد بما ترضاه القومية أو تنفر منه العاطفة الدينية. ويتصل بهذا الحملات التي أثيرت على الغيب وتشكيك الناس فيما يخرج من دائرة المحسوس.
وكل هذا المخطط الذي جرى على السنة كتاب الغرب وغيرهم من كتابنا السائرين في مجرى التغريب يهدف إلى الدين والقضاء عليه والقضاء على الروح