[مواجهة الحضارة]
كيف واجه الفكر العربي الإسلامي الثقافة الغربية والحضارة الغربية. علينا قبل ان نصور ذلك أن نكشف عن الفرق بين الكلمتين: الثقافة والحضارة.
[الثقافة فكر والحضارة مادة]
وقد جرت أبحاث متعددة حول الثقافة والحضارة. واختلط على كثير من الكتاب الفرق بينهما: وجملة القول في هذا أن الحضارة هى الجانب المادى وأن الثقافة هى الجانب الفكرى.
ويرى شبنجار هذا الرأى فيقول: أن الثقافة أفكار معارف وآراء. وأنها مجموعه المعارف والأفكار التي تمثل الحياة والتي تنمو بها الأمة وأن الثقافة من الحضارة بمثابة السبب من النتيجة.
ويرى شارلس ريشيه: ان الحضارة هى مجموعة الىراء والعادات الناشئة عن الجهود التي تبذلها الأمة في ميادين العلوم والفنون والصناعات والدين.
ويفرق الدكتور عبدالوهاب عزام بين الثقافة والحضارة فيقول: فرق مابين الصناعات والأخلاق والعادات. فاذا احسنا التفكير لم يلتبس علينا ما نأخذ من أوربا من العلوم الطبيعية ونتائجها وما نتجنب من أخلاقها وآدابها. فانه لا فرق بين الحساب والهندسة والكيمياء في الشرق والغرب.
ولكن شتان ما بينهما من العقائد والخلق وسنن الاجتماع, وما يتصل بذلك, فان لكل أمة من أخلاقها آدابها ثوبا حاكته القرون وعملت فيه الاجيال فليس يصلح لغيرها ولا يصلح لها غيره.
وقد أثار الباحثون إلى الفرق بين البحث في الحضارة والبحث في الثقافة وكيف أنه لا يمكن تطبيق مبادئ التسامح التي طبقت في مجال الحضارة والعلوم على الثقافة (الاجتماع والعقائد).
***
[معركة المواجهة]
حمل دعاة التغريب في هذا المجال رسالة المستشرقين في الدعوة إلى قبول الحضارة كلها (خيرها وشرها) وكان في مقدمة هؤلاء سلامة موسى وطه حسين ولم يصيبوا نجحا يذكر, وفشلت الدعوة إلى تعدد الثقافة والقضاء على توحيدها, وعندما ارتفعت الأصوات بالدعوة إلى ثقافة عربية خالصة موحدة هاجم سلامة موسى هذا الاتجاه. وقال أنه ليس من مصلحة الأمة (البلاغ ٢٦/ ٣/١٩٣٦) وقال: ان من مصلحة الامم في تعدد الثقافة والبعد عن كل محاولة يراد بها التوحيد. وقال: ولسنا ننكر ان تعدد الثقافة والبعد عن كل محاولة يراد بها التوحيد. وقال: ولسنا ننكر ان تعدد الثقافة يؤدى إلى التزعزع والقلق ولكنه خير من الركود".
ولا شك أن الدعوة إلى تعدد الثقافة أنما هى دعوة إلى البلبلة وقتل مقومات الأمة ولذلك لم تلق أى قبول.
واعترف فيليب حتى بأن " التحرر الفكرى فر العالم العربي "اصطدم بمجموعة صلبة من المبادئ والأفكار هى (وحدانية الله ونبوة محمد ورسالته وقدسية الإسلام) وأن أحدا لم يخرج على هذه العقائد. وقال: أن بعض المفكرين حاول النظر إلى الإسلام والقرآن بروح النقد (طه حسين وعلى عبدالرازق) غير أن هذا الاتجاه لقى مقاومة شددة ومات في مهده".
ويقصد "قليب حتى" بالتحرر الفكرى ما نطلق عليه دعوة التغريب, وقد لاحظ كثير من المستشرقين الذين بحثوا نتائج حملة التغريب "أن تأثير الفرنجة لم يتجاوز المدن لأن كل الوسائل والأساليب التي استخدمها الغرييون من صحافة ودعاية ومؤسسات علمية أو اجتماعية أو سينما أو شراء للأفلام, كل ذلك وقف عند حدود المدن ولم يتجاوز إلى الريف" وكان من نتيجة ذلك