المحاضرات في الجامعة الأمريكية في عام التبشير - يقول على عبد الرازق "يخيل لمن يسمع حينا بعد حين أن المبشرين قد فتنوا طفلا أو خادعوا فتاة أن الأمر جلل وأن الإسلام منهم على خطر. غير أن الذي يستنطق الأرقام ويستمع إلى صوت الحقائق يجد أولئك المبشرين أقل شأنا من أن يصلوا بكيدهم إلى حمى الإسلام أو ينالوا منه منالا، ولن تبلغ جهود المبشرين وأن تعاظمت ولا حيلهم وأن دقت ما بلغت من قبل تلك الغوائل التي تقف في طريق الإسلام".
وقد حاول على عبد الرازق في محاضرته بعد أن عدد ما وقع للإسلام من أخطار أن يعلن أن الإسلام بخير، وهو منطق عجيب.
أشار إلى أن المصريين قد أحتكموا إلى غير قوانين الإسلام وأن القوانين قد أصبحت في مصر تؤخذ أحيانا من قوانين أوربا والى أن الإسلام صريح في تحريم الربا، وأن المصريين قد أخذوا نظام البنوك، وأشار أن الأزهر قد أنشأ لتعضيد السياسة بانشاء قوة دينية "وما برح الأزهر يومئذ ربيب السياسة وآلة الحكام السياسيين وسندهم" ثم أشار إلى الغاء الخلافة وتساءل عما أذا كانت هذه الأحداث كلها قد أثرت في الإسلام. ثم قال أنها لم تضعف روح الدين وقال أن أصابة الخلق المصري بالضعف والانحلال ظاهرة خلقية أتبغى أن يشتغل بالبحث عنها علماء الأخلاق قبل علماء الدين، وقال أن خطر المبشرين هو خطر سياسى وخلقى أكثر مما هو دينى وعلى رجال السياسة والأخلاق أن يبحثوا في طريق الخلاص منه" وكان مفهوم الشيخ على عبد الرازق في "الدين" هو مفهوم المبشرين والمستشرقين وخصوم الإسلام وهو أن الدين عبادات وليس نظاما اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ثم سخر من الدين والإسلام والأزهر في نهاية محاضرته وقال "من كان يظن أن الإسلام بين جدران الأزهر وبين اللحى والعمائم فأن الحضارة الحديثة في مصر ستقضى على دينهم الذي يزعمون وتجتثه أصولا وفروعا".
***
[الدفاع عن الأزهر]
وقد حاولت الصحافة الغربية أن تصور الأزهر في كل مناسبة بصورة رجعية جريا مع معركة الغزو الثقافي.
ومن ذلك أن جريدة المورننج بوست كتبت في (يناير عام ١٩٢٤) عن الأزهر أنه هو " تلك البؤرة التي تضغط فيها على الافكار لطمس العلوم حيث ما زال التلاميذ يتعلمون أن الأرض مسطحة وأن الشمس تدور حولها"
وقد تصدى للرد على هذا رجل من خارج الأزهر هو أحمد زكى باشا (الأهرام ١/ ٤١٩٢٤) فأشار إلى ما ذكره الشريف الأدريس وفضل الله العمرى وشهاب الدين النويرى والأصفهانى "وكلهم قالوا بكرية الأرض من القاهرة التي نعيش فيها". وقال أن علماء الأزهر قالوا بكرية الأرض. وأنها تدور حول الشمس بينما كان البابا بعد ذلك بزمان طويل يصب أنواع التعذيب والتعزير على كل من هذين العبقريين الطليانى والبولندى اللذين قالا بعدهما في بلاد أوربا بمثل هذا القول".
***
[مواجهة الأزهر الحضارة]
وتعرض كثير من الكتاب للرد على ما اتهم به الأزهر من روح الجمود التي ترددت في كثير من كتابات المبشرين والمستشرقين ودعاة التغريب بأن الأزهر قد شارف نقطة باكرة وكان له دور ضخم في ميدانين:
الأول: مواجهة الحضارة بروح الإسلام وتقبل جوانبها الايجابية.
الثانية: مواجهة الاحتلال والاستعمار ومقاومته والجهاد في سبيل دفعه وقتاله في أكثر من معركة.
وقد كشفت هذه الأبحاث أن الشيخ حسن العطار وتلاميذه هى المدرسة الأولى التي واجهت الحضارة الغربية ابان الحملة الفرنسية، فقد كان العطار خطيب أول حفل لتخريج أول فوج لمدرسة الطب في كلمة أشار فيها إلى أن العلم دولى وأن الحضارة عالمية وأن الأغريق والمسلمين ساهموا فيه يوما ما وأن الأوربيين الآن هم أصحابه وأن على المسلمين المحدثين أن يقبلوا عليه.
وهو الذي حرض تلاميذه على عبور البحر إلى الغرب. فكان تلميذه رفاعة الطهطاوى أول رائد للفكر العربي المعاصر فقد استطاع وهو الأزهرى أن يدرس الفرنسية وأن يترجم منها وينشئ تيارا ضخما قوامه الجمع بين ثقافة العرب وثقافة الغرب.