لقد واجه مجتمعنا العربي بين الحربين معركة ضخمة فقط سقط الوطن العربي كله-تقريبا- في قبضة الاستعمار وفرض عليه الغزو الثقافي والتغريب.
وكان على المجتمع أن يواجه تيارا ضخما من الحضارة المادية في مختلف صورها فقد خف سلطان الدين والمعانى الروحية، وتغرب التعليم واستطاعت الصحافة أن تبث كثيرا من آراء الحرية والانطلاق.
كما فرض الاستعمار على الوطن العربي غزوا غريبا مدمرا يتمثل في المخدرات والخيانات والبغاء العلنى المصرح به بأمر القانون. وواجه الشباب حياة جديدة تختلف عن حياة التي كان يحياها أبائه في ظل هذه الأضواء والحريات، وارتفعت صيحات تحرير المرأة.
والدعوة إلى تعلمها وسفورها، واستتبع هذا ظهور مشاكل جديدة وقضايا متعددة منها أزمة الزواج، كما واجهت الأسرة أزمات جديدة من التفكك والانحلال.
وحدثت تطورت في شئون الزى والأغانى وظهرت الدعوات إلى الاصلاح الاجتماعى.
ولا شك أن حركة الغزو الثقافي والتغريب التي قام بها الاستعمار قد أدت إلى خلق جو من الانحلال والفساد وقد كانت حملة الاستعمار على الدين عاملا من عوامل الاستهانة بقواعد الخلق ومقومات الفضائل والقيم، مما أدى إلى الاستهانة بها وبذلك اضطرب المجتمع في عناصره الثلاث: الشباب والأسرة والمجتمع.
وقد رسم محمود أبو العيون صورة المجتمع في مصر بعد الحرب العالمية الأولى فقال "أنها-أى الحرب- تمخضت عن عجائب مدهشات. ظهر الجيش الأحمر في روسيا وطغى سيله وصحا الرجل المريض في الأناضول تحت ظل القنا وخفق النبوذ، وأزال شيخ الخلافة العثمانية الذي أرهب أوربا. كما أن ثورة ١٩١٩ تركت أثرا بالغا في آداب الأمة المصرية وأخلاقها ولكنا لا نفهم أن ما كنا نسميه نهضة سامية نرمز لها بالتماثيل ونقيم لها الأنصاب، وما كنا نود أن نأخذ من معناه كماله الأوفى يجر إلى انتكاس واضمحلال في كل معانى الحياة الناهضة وتلك التي بذلنا في سبيلها مهجا غالية ودماء ذكية. نقول أن ثورة ١٩١٩ التي طأطأ لها التاريخ أجلالا وهومت لها الأمم اكبارا واعظاما كانت في حياة مصر فجرا كاذبا لمع نوره في آفاقها كلسان الشمعة ثم خبأ وأظلم وها نحن في ديجور الظلمة تائهين حيارى".
***
[معركة الشباب]
تأثر الشباب بالأفكار الغربية في الحرية والانطلاق من القيود، وكان للدعوات النازية والفاشية التي ظهرت في أوربا أثرها في أفكار الشباب المتطلع إلى الحرية فقد أخذت مظهريات الأزياء العسكرية، والصرخات المتطلعة، غير أن الأحزاب كانت ما تزال تفرض سلطانها ونفوذها وتحمل مع هذا جراثيم الاغراء بالمال، والنزول عن معانى الوطنية الخالصة، وتغليب االنفعية على القيم، والمصلحة على التجرد. وجرى مع هذا اتجاه إلى التخفف من أعباء الثقافة والجهاد والحرص على الحصول على النتائج السريعة بأقل جهد، وأعانت السياسة على ذلك في الجامعات والمدارس فحصل الشباب على القشور، واكتفى بالشهادة الرسمية وبذلك ضعف المستوى الثقافي.
وقد وصفهم محمود أبو العيون (الأهرام ٧/ ١/٣٤) بأنهم من الطراوة والميوعة بحيث لا يقدسون ماضيا ولا يحفلون بمصير وأنهم يضيعون أوقات حياتهم في العبث والمجون وان أفكارهم تصور الأوهام الفاسدة وألسنتهم تنطق بالألفاظ المستهجنةونظراتهم خائنة. وأنه لا شئ أفعل للعصبية ولا أذرى بالمروءة ولا أخطر لكرامة الشعوب من تلك الاباحة الخاسرة.