اتجهت جملة التجزئة التي قامت بها فرنسا لشمال أفريقيا (١) التجنيس (٢) الفرنسة (٣) الادماج (٤) الفصل بين البربر والعرب.
وكانت حملة التجزئة الأولى هي "التجنيس" وتحويل أهل المغرب (تونس والجزائر ومراكش) إلى فرنسيين وفتح باب التجنيس بالجنسية الفرنسية أسوة بما فعلوه في مراكش واستصدروا فتوى من رجال الدين والعملاء بأن تجنيس المسلمين لايتعارض مع الدين ثم اتجهوا إلى "الفرنسة" عن طريق "تمسيح" الشعب العربي ولما باءت هذه المحاولات بالفشل اتجهوا إلى فكرة تمزيق عنصرى الأمة العربية المغربية: البربر والعرب وذلك بالفصل بين البربر وبين لغة العرب وقضائهم وثقافتهم في اتجاه إلى اقامة ثقافة منفصلة للبربر تستمد من تراثهم القديم قبل ارتباطهم بالعرب. وقد عمدوا في هذا إلى البحث عن الروحانية القديمة التي عرفها البربر في اتصالهم بروما وأذاعوا فيهم الدعوة إلى تحريرهم من سيطرة العرب الروحية والزمنية.
وقد قامت الثقافة الفرنسية الاستعمارية التي تحمل لواء التغريب إلى توجيه الاستعمار نحو هذا العمل حين أشار الباحثان "جود فروي" و"مونيين" في رسالة لهما عن التعليم إلى خطورة ترك كتلة ملتحمة من المغاربة تتكون، وتكون لغتها واحدة وأنظمتها واحدة. قالا: لابد أن تستعمل لفائدة عبارتنا القديمة "فرق تسد" وان وجود العنصر البربرى هو آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي ويمكننا أن نستعمله ضد الحكومة المراكشية نفسها. وأنه يجب أن تقوم اللغة الفرنسية- لا البربرية- مقام اللغة العربية كلغة مشتركة ولغة للمدينة".
ورسمت هذه الدعوة أن تقوم برامج التعليم في المدارس البربرية على اللغة الفرنسية وتحذف منها اللغة العربية والديانة الإسلامية وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف لاتينية. وأن يعلم البربر كل شئ ما عدا الإسلام" وقد بدأت هذه السياسة تظهر (سبتمبر عام ١٩١٤) بزعامة "المرشال ليونى" مقنن الغزو الثقافي في المغرب، ومسنو الجنرال مود في سوريا ولبنان وكرومر في مصر.
وقد حققت فرنسا الخطوات التنظيمية لذلك حين أصدرت الظهير البربرى الأول ١٩١٩ والثانى ١٩٣١ ومجملها أن القبائل ذات التقاليد البربرية يجري عليها الحكم والادارة بموجب شرعها الخاص وعادتها أما ظهير (١٦ مايو ١٩٣١) فقد قضى باغلاق محاكم الشرع الإسلامي بين البربر على أن ترجع قضاياهم إلى هيئة ... تسمى الجماعة تربط مباشرة بالسلطة الفرنسية وتنصيب قضاة فرنسيين من البربر وأعلنت أنها إنما تفعل ذلك بدعوى احترام التقاليد البربرية.
وأفسح الفرنسيون المجال للبعثات التبشرية بين البربر لتنصيرهم، ووجهوا حملة أعلامية دعائية إلى البربر على أساس أنهم شعب مستقل عن "الغزاة العرب" ينحدر ن شعوب أوربية، وأنهم أوروبيون أصلا، ولذلك يجب أن يرتبطوا مع فرنسا وأن يتجهوا إلى الغرب. وعمد الفرنسيون من ناحية أخرى إلى احياء العرف والعادات والتقاليد القديمة. واعترفوا بها مصدر للتشريع المدني. وأقاموا لهم عملاء وأعوانا من شيوخ القبائل الذين أصبحوا حلفائهم ويعد وجلاوى باشا مراكشي الذي حاصر قصر السلطان محمد الخامس نموذجا لهؤلاء الشيوخ.
وهكذا تركزتسياسة التجزئة في المغرب في (١) القضاء على مقومات الوحدة بين العرب والبربر (٢) غزو البربر بتمزيق وحدتهم مع العرب في اللغة والقضاء والثقافة (٣) دفع عدد ضخم من المستوطنين الفرنسيين والأوربيين إلى الهجرة إلى المغرب العربي للقضاء على الأصل العربي وتقليل وزنه، وبذلك تقوم ثلاث قوميات