للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٨)

الصحافة

كان دور الصحافة في هذه المرحلة - ما بين الحربين - مختلفا عن دورها في الفترة التي سبقت الحرب. فقد كان الملوك الخديويين والمحتلون - سواء منهم الفرنسيون أو الانجليز - هم الذين يصدرون الصحف الرسمية التي تمثل آرائهم وتدافع عن اتجاهاتهم وكانت الصحف الأخرى التي صدرت بأمرهم وايعازهم لا تترد في أن تنسب نفسها اليهم. وقد تطور هذا الأمر فأصبحت الصحف تصدر ممثلة للأحزاب والهيئات، فاذا اختفت وراء مبدأ (الحياد) فقد حق لها ان تدافع عن أي: نفوذ او هيئة أو حكومة دون أن تخشى شيئا. وبعد ان كانت الصحف تدافع عن الوطنية في جرأة وعاطفة تحولت إلى الاعتدال، وبعد ان كانت تهاجم المحتل والدخيل، أصبحت تناصر الحزب الذي تتبعه وتهاجم خصومه من اهل الوطن، وتباعد بينها وبين القضية الوطنية. وكان لقيام حكومات جديدة في الوطن العربي في ظل الاستقلال الذاتى قد خلق جوا جديدا، قد تولت الحكم في الوطن العربي طائفة معينة أو فئة خاصة - كانت فترة الاحتلال والحماية الأولى فترة اعداد لها - هذه الطائفة تؤمن بالالتقاء مع الاستعمار في منتصف الطريق ولا تناهضه.

وفي مصر مثلا جاء الوفد في شعبيته الضخمة بعد الحرب على انقاض الحزب الوطنى.

ومع الاختف الواضح في الأهداف والوسائل، فالحزب الوطنى كان عنيفا في مقاومة الاحتلال جريئا في مهاجمته عاطفيا في هذا الهجوم، أما الوفد فقد كان "متفاهما" مع الاحتلال على مذهب حزب الأمة، وهو لم يلبث أن أنقسم إلى فريقين: فريق أصحاب المصالح الحقيقية والأسر والبيوت والاقطاعيين، وهؤلاء هم الذين انفصلوا تحت اسم "الأحرار الدستوريين" وبقيت المجموعة الشعبية تحت زعامة سعد زغلول تؤمن بالمفاوضة مع الانجليز وتلتقى بهم في منتصف الطريق، وقد دارت المعركة بين الوفد والأحرار في ائتلاف الا مرتين عندما انشأ الملك حزب الاتحاد عام ١٩٢٥، وعندما الغى دستور ١٩٢٣، وأنشأ حزب الشعب ١٩٣١.

***

[أخطاء الصحافة]

وهكذا عاشت الصحافة فترة ما بين الحربين خادمة للأحزاب، عاملة عندها، لا تستطيع أن تتحرر منها، وبينما كانت صحف الوفد تعتمد على شعبيتها وأقلام كتابها في عنفها وقسوتها أمثال العقاد وعبد القادر حمزة وحافظ عوض وتوفيق دياب وغيرهم، اعتمدت صحف الأحرار الدستوريين على صناعة الصحافة وعلى أقلام الكتاب المؤمنين بالحضارة الغربية، هؤلاء الذين عملوا في جبهة الاقطاعيين وأصحاب البيوتات وجعلوا من أقلامهم التي تحمل كلمات الحرية والتجديد والثقافة أداة للدفاع عن النظام الاستبدادى وحكم الأقلية.

كما سايرت الصحف المحايدة صحف الأحرار الدستوريين في معركة الغزو الثقافي والتغريب ودعت جميعها إلى محاسنة الاستعمار، وفتحت الطريق أمام جميع مختلف الدعوات وكانت لسانا حادا على كل من دعا إلى اصلاح أو اعتدال، فهاجمت الشيخ محمود أبو العيون في دعوة إلى الغاء البغاء. وأطلقت على القوى الوطنية الشعبية كلمة "الرعاع" واصطنعت أسلوب السخرية في مهاجمة كل باحث أو مصلح لا ينتسب إلى حزبها.

وكان كتاب هذه الصحف يعمدون إلى اثارة الجماهير في مشاعرهم بترجمة القصص الفرنسية الماجنة، وكتابة الفصول النقدية اللاذعة في مهاجمة القيم الإسلامية والعربية وتحوير معالم التاريخ على النحو الذي يصور العصر الأموى والعباسى بصورة التحلل. وفي ظلها وحمايتها أعلن كثير من "المجددين" الذين حملوا لواء الأفكار التغريبية آرائهم ودافعوا عنها.

حدث هذا بينما وقفت الصحف الوفدية موقف الاعتدال في الرأى والمحافظة على مشاعر الشعب،

وباعدت بينها وبين مغايظة الجماهير أو اثارتها وهو أسلوب لم تلبث في ذلك إلى أبعد مدى وكان دفاع جريدة السياسة عن الإسلام ومهاجمتها لحملات التبشير أقوى من دفاع الصحف الأخرى، فضلا عن كتابات الدكتور

<<  <   >  >>