للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

?

بدأ صراع طويل المدى منذ ذلك التاريخ بين بريطانيا وفرنسا، كان له أثره السياسى البعيد المدى وأثره الفكرى الذي ما زال قائما إلى الآن.

ولقد كانت الحملة الفرنسية (١٧٩٨) نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب في العصر الحديث وهى المرحلة الثانية للحروب الصليبية.

وقد امتد هذا الدور حتى عام ١٩٧٦ عندما وضعت فرنسا وبريطانيا يدها على الوطن العربي كله وأعلن اللورد اللنبى في القدس أثناء الحروب الصليبية.

وقد كشفت هذه الجملة عن اتجاه أوربا نحو الشرق الإسلامي، والبلاد العربية، وكانت نطقة البدء، فقد توالت بعد ذلك حملات الاستعمار وامتدت، حتى بعد أن جلت الحملة الفرنسية عن مصر عام ١٨٠١، واجهت المنطقة العربية حملة بريطانية عام ١٨٠٧ ولم يمض على ذلك أكثر من ثلاثة وعشرين عاما حتى احتلت فرنسا الجزائر عام ١٨٣٠ وتبعتها بريطانيا عام ١٨٨٢ باحتلال مصر، ثم توالت مراحل الاحتلال.

كان هذا الجمود والضعف الذي اصاب الشرق الإسلامي، والوطن العربي مدعاة لأن تنطلق دعوة المقاومة والاصلاح وتندلع في نفوس المصلحين شرارة الغيرة: هنالك بدات طلائع دهوتين:

(١) دعوة إلى مقاومة جمود الدين وقشوره.

(٢) ودعوة إلى مقاومة استبداد السلاطين والامراء.

أما الدعوة الأولى، فحمل لواءها محمد بن عبد الوهاب وقد تحولت إلى حركة فدولة كانت بعيدة المدى في العالم الإسلامي، مؤثرة أكبر الأثر، في مختلف طوائف المسلمين (أهل السنة والشيعة والمنصوفة جميعا).

ولم تكن " الدعوة الوهابية " دعوة دينية خالصة وانما كانت " حركة سياسية " ذات مذهب فكرى، لذلك اهتزت لها دولة الخلافة العثمانية، واهتز لها الغرب الواقف وراء سرير الرجل المريض، ينتظر اليوم الذي يقتسم فىه امبراطوريته الواسمة، لذلك كان لابد من محاولة تأتى عن طريق تركيا العثمانية الخائفة من هذا الخطر الذي يزحف اليها من أطراف العراق، ويهاجم المواقع المقدسة فىها، وخاصة بعد أن تحقق لها - أي

الوهابية - امتلاك الحجاز وسيطرتها على (الجزيرة العربية): ان لم يكن عسكريا فسياسيا وفكريا.

وكانت مصر اذ ذاك قد تحررت من الحملة الفرنسية بقوتها المعنوية الشعبية التي حطمت هذه الحملة، والتي وجدت لها قيادة فعالة استطاعت أن ترد من قبل ظلم المماليك وتفرض عليهم توقيع وثيقة حقوق الانسان (١٧٩٥) ثم استطاعت أن تنزع الحاكم التركى (خورشيد) من منصبه في القلعة باسم الشعب على نحو يدل على مدة اليقظة والفهم والايمان بالحق الشرعى في خلع الحاكم الفاسد .. وقد جاء هذا نتيجة للايمان بالتراث العربي الإسلامي، وليس نقلا عن الحضارة الأوربية التي لم تكن بعد، قد وضعت موضع الاقتباس في العالم الإسلامي. وقد اتسع هذا الاتجاه فيما بعد حينما بدأت دعوة جمال الدين إلى اقامة استبداد الملوك. واتجهت فعلا إلى مقاومة شاه ايران، وخديو مصر.

***

القوة الجديدة في مصر

وفى مصر بدأت قوة جديدة بقيادة محمد على وإبراهيم بلغت ذروتها من القوة، واخذت بها تركيا، كما أخذت بها أوربا التي كانت تخشى أى قوة جديدة شابة يمكن أن تفرض بسلطانها على المنطقة.

لذلك ضربت المقوتان بعضهما ببعض فسلطت محمد على على الوهابية فانهزمت (١٨١٦) ثم انزهم محمد على بعد ذلك بأقل من عشر سنوات حينما حطم الغرب مجتمعا أسطوله في موقعة نفارين (مايو ١٨٢٥) مما انتهى بامبراطوريته التي اجتاحت الامبراطورية العثمانية وكادت تستولى عليها، والتي امتدت إلى الجزيرة العربية عام ١٨٤٠ إلى أن تتقلص في حدود مصر وحدها، وبذلك قضى على الحركتين: الحركة الوهابية ذات الطابع العربي السياسى المذهبى، والحركة المصرية.

***

[المؤامرة على الدولة العثمانية]

كان الغرب يهدف إلى تمزيق الدولة العثمانية لالقهام الأقطار العربية التابعة لها والسيطرة عليها، والقضاء على الخلافة الإسلامية التي هى علامة الوحدة الإسلامية الجامعة للعالم الإسلامي كله.

<<  <   >  >>