كانت الدعوة الفرعونية في مصر والفينيقية في لبنان والآشورية في العراق: دعوات تجزئة وانفصال تقوم على أساس احياء الماضى القديم وبعثه، والغاء الماضى العربي الطبيعى واعتبار العرب غزاة.
وكان العثور على حجر رشيد عام ١٨٠١ ونقله إلى لندن وقيام (شامبليون) بتفسير كتاباته علم ١٨٢٢ هو نقطة البدء في هذه الدعوة التي اتسع نطاقها مع حملات الغزو الثقافي في عهد الخديو إسماعيل ثم حمل لوائها الاستعمار البريطانى بعد احتلال مصر.
وكان تأسيس متحف بولاق الفرعونى ١٨٦٣ بواسطة ماريت وماسبيرو دعاة الفرعونية ودار الآثار العربية ١٨٦٩ والمتحف القبطى ١٩٠٠ علامة على الشروع في خطة "البابلية" والمسخ لتاريخنا وتصويرنا في صورة البلاد التي غزاها العرب والرومان واليونان والتي لها ماض فرعونى وقبطى ويونانى وعربي. وأن الصلة بيننا وبين العرب هى صلة غزو وليست رابطة أساسية قامت على أساسها الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في محيط الأمة العربية منذ تعربت هذه المنطقة جميعا وارتبطت اللغة العربية والإسلام وشاركت في ذلك التراث والثقافة والتاريخ الحافل بالأمجاد.
وقد عمد الانجليز إلى الدعوة الفرعونية كأساس الحركة الانفصالية ودعوة التجززئة فأثاروا حملة ضخمة- لا في مصر وحدها- ولكن في العالم العربي كله للكشف عن الآثار القديمة والتهليل لهذه الآثار، وخلق تيار فرعونى قومى يحمل لواء الدعوة إلى فرعونية مصر وقد تحقق للاستعمار نصرا كبيرا في هذا المجال بالكشف عن قبر توت عنخ آمون ١٩٢٢ مما عمق هذا التيار وظهر محمود مختار بتماثيله الفرعونية ونحت تمثال نهضة مصر في باريس ١٩٢٠ ثم انشاء قبر سعد زغلول على الطراز الفرعونى ووضع صورة أبى الهول على طوابع البريد واتخاذ الجامعة المصرية تمثال الآلهة الفرعونية رمزا لشارتها.
وقد حاول ماسبيروا عام ١٩٠٨ وضع نظرية لربط مصر المعاصرة بمصر الفرعنية في محاولة ملفتة قوامها أن مصر قاومت كل الغزاة وأثرت فيهم بما فيهم العرب، وأن المصريون اقباط أصلا. وأن التراث الفرعونى القبطى صمد في وجه الفتح الإسلامي وأن الأقباط حافظوا على نقاوة دمهم بينما اختلطت دماء المسلمين مع دماء شعوب أخرى. وقال أن القومية المصرية تقوم على أساس تغلب مصر على دخلائها وأن المصريين أصلهم فرعونى وأنه لا يوجد مصران: مصر مسلمة وأخرى قبطية بل توجد مصر واحدة، وأن مسألة مسلم وقبطى مسألة دينية فقط.
وكانت الاكتشافات الفرعونية قد بدأت عام ١٩٠٣ عندما ظهرت مقبرة اللك تحتمس الرابع واكتشف مستر كارتر مقبرة الملكة حتشبسوت وكشف (كوبيل) ١٩٠٤ عن مقبرة (تى) والملوك اخناتون وحرمحب وسبيتاح وأبضى كارنفون وكارتر في الحفر عن طيبة من عام ١٩١٧ حتى اكتشفوا عام ١٩٢٢ قبر توت عنخ آمون .. وتوالت الأبحاث واشترك فيها المصريون فكانت حفريات متصلة لم تتوقف وكان أحمد كمال باشا (المتوفى عن ٧٣ سنة في أغسطس ١٩٢٣) أبى الأثريين في مصر وصاحب المدرسة التي أنشئت لتمصير على الآثار، قد تحقق لم أنشاء أول مدرسة لتعليم اللغة المصرية القديمة عام ١٨٦٩ وأشهر من نبغ منها سليم حسن ومحرم كمال لكمل باشا أبحاث متعددة وقاموس هيروغليفى عربي فرنسي يضم الألفاظ العربية ذات الأصول العربية، هو أول القائلين بأن اللغة المصرية القديمة فرع من اللغة العربية، وأن اللغة العربية أصل لها. وقد كان لأحمد كمال محاولة هامة في قتل هدف الدعوة الفرعونية التغريبي وكان لسليم حسن دوره وخطره في الاستكشافات والأبحاث وهو الذي كشف عن الهرم الرابع (فبراير سنة ١٩٣٤) وكان قد بدأ العمل في منطقة الهرم منذ عام ١٩٢٩ حيث كشف عن مضجع أول امرأة حكمت مصر في التاريخ (خنت كلوس) وهى الحلقة الموصلة بين الأسرة الرابعة والأسرة الخامسة وقد أسمت نفسها ملكة الوجهين القبلى والبحرى كما كشف من بعد حتى عام ١٩٣٥ عن الطريق الموصل بين المعبد الوادى والمعبد الجنائزى وكشف عن أسرة (خفرع) كم كشف عن حقيقة جديدة لم تكن معروفة من قبل، فقد كان الشائع أن أحجار الأهرام قد نقلت من جبل المقطم على حين أن الواقع أن هذه الأحجار انما أدت من الصخور المثبتة حول الأهرام.