للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣)

تغريب تركيا وآثره على الفكر العربي الإسلامي

كان لتغريب تركيا بعد الحرب العالمية الأولى أثره البعيد المدى في حركة التغريب والغزو الثقافي في العالم الإسلامي والوطن العربي، ذلك أن تركيا كانت دولة الخلافة التي ارتبطت بها الأمة العربية أربعة قرون كاملة ولذلك فقد كانت تتطلع اليها بعد أن انفصلت عنها (بعد الحرب) لتتابع خطواتها على الطريق.

ولقد اهتز الوطن العربي لمصطفى كمال حين قام بمحاولته الجريئة في اجلاء اليونانيين وتحرير تركيا واعادة هزيمتها في الحرب نصرا.

غير أن تحول مصطفى كمال بعد ذلك إلى الغرب كان موضع الدهشة والغرابة, هذه الدهشة التي بلغت قمتها عندما الغى مصطفى كمال "الخلافة الإسلامية" وفرض الكتابة من الشمال إلى اليمين وفرض القبعة والحضارة الغربية بقوة الحاكم الدكتاتور وليس بالتربية والاقناع.

وقد كان هذا بالنسبة للامة العربية امتحانا خطيرا عاشت في بوتقته خلال هذه الفترة حتى الحرب العالمية الثانية.

أقفل عبد الحميد أبواب تركيا في وجه الحضارة وفتح مصطفى كمال الأبواب على مصاريعها لتركيا أمام الحضارة الغربية.

قاوم عبد الحميد التغلغل الأوربى الفكرى وذهب مصطفى كمال إلى الغاية في قبول افكار أوربا إلى الحد الذي نزع به إلى اعتبار تركيا من الغرب وليست من الشرق ورفض كل الأفكار الإسلامية التي تتصل بالحكم واللغة والدين والمجمع والتقاليد والاخلاق.

واذا كان "الاتحاديون" قد دعوا إلى تتريد عناصر الامبراطورية العثمانية وعارضوا بمذهب (الجامعة الطورانية) مذهب (الجامعة الإسلامية) الذي دعا اليه عبد الحميد فان مصطفى كمال رفض غير "ما تركيا" نفسها وأدار وجهه للعلم الأوربى.

ولقد كان اتجاه تركيا إلى الغرب أتجاها ماكرا كونته عوامل مختلفة أهمها ما قاسته تركيا العثمانية قبل الحرب العالمية وخلالها من تسلط الدول الأوربية عليها وتغلغلهم واتساع النفوذ الاجنبى فيها نتيجة أضعف مركز الخلافة.

وكان للثورات المختلفة التي قامت في أطراف المملكة والانتفاضات التي احرز بها الغرب الاستيلاء على عدد من الأقطار، ثم ما كان من اشتراك تركيا العثمانية (بقيادة الاتحاديين) في الحرب العالمية في صف ألمانيا ثم هزيمتها واحتلال الحلفاء ومنهم اليونان لها، هنالك سيطرة فكرة تغريب تركيا واخراجها من تاريخها وماضيها كله، وكان بانتصار مصطفى كمال في معركة "سقاريا" وقيام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية أثره الواضح في احداث هذا الانقلاب التغريبى.

وكان السلطان الحاكم الذي أطلق عليه "الحكم الأبوى" قوته وسيطرته على تحويل النواميس الاجتماعية بقوة القانون وفرض الأنظمة الجديدة لسلطان الحاكم وحده، دون تقدير للعوامل النفسية للشعوب وحملات التعبئة للمشاعر أزاء عمليات التطوير وشحذ الاذهان

<<  <   >  >>