للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت جماعتا: الفرير، والجزويت، أولى هذه البعثات التغريبية. وقد أعان حكم إسماعيل الطويل مدة ستة عشر عاما (١٨٦٣ - ١٨٧٩) على تعميق الاتجاه التغريبى ولكنه خلق الوعى السياسى في مصر. هذا الوعى الذي يتمثل في الدور الذي قام به مجلس شورى النواب بعد عشر سنوات من تكوينه.

وقد بدأ مجلس شورى النواب ١٨٦٦ وأم يكن للمجلس أى سلطة قطعية، غير أنه لم يلبث في عام ١٨٧٦ أن ظهرت المعارضة في دورات المجلس بقيادة عبد السلام المويلحى الذي نعى على الحكومة (نوبار باشا) في جلسة ٦ يناير ١٨٧٩: اغفال مجلس النواب في مرسوم القوانين المتعلقة بالشئون المالية وقال: " لم نر لمجلس النواب في هذا (الدكريتو) اسما ولا خبرا مع أن سائر ما يختص بالادارة العمومية من تحصيل أموال، وفرض ضرائب ووضع لوائح أو قوانين انما يقصد به الأهالى، وكل ما يقصد به الأهالى لابد من عرضه عليهم ورضاهم به، عن طيب خاطر قبل وضعه وتكليفهم به، وحيث أنهم أنابوا عن أنفسهم نوابا فهم منوطون بالمدافعة عنهم، والمحاماه عن حقوقهم فمن الواج أن يعرض جميع ما يتعلق بالأهالى على نوايهم يانظروا فىه ويتدبروه وقال: أن مثل رئيس مجلس النظار لا يجهل حقوق مجلس النواب ومقدار احترامها كما لا ينكر أن موضوع (الدكريتو) المحكى عنه هو من حقوق ذلك المجلس المقدسة التي لا يصح انتهاكها ".

وقد كان لهذا الاتجاه أثره وخطره فقد اهتز له الوزيران الأوربيان الذان كانا صاحبى الكلمة فىى سياسة الحكومة.

ولكن الاتجاه الثورى الشورى، مضى في طريقه فتقدم ٤٩ نائبا على رأسم (عبد السلام المويلحى) في ١٩ مارس ١٨٧٩ مطالبين " بتخفيض الضرائب والاتاوات الفادحة التي ينوء بها الشعب " ورأى الوزيران الأوربيان أن المجلس أصبح يخلق العقبات ففضت جلساته في ٢٧ مارس ١٨٧٩ ولم يدع (عبد السلام المويلحى) المجلس ينفض دون أن يهاجم ناظر النظار (رياض باشا) فأكد في خطاب الختام قائلا: أن المجلس طالب عدم قطع أمر في أى شأن كان ال باشتراكه، وجرت بينه وبين (رياض) مناقشة حادة رد فيها المويلحى على اتهامات رياض فقال: من ضمن ما قلتموه، أن أهلىلا مصر همج، وأنه لا يوجد فيهم عشرة يفقهون ما يقال في الجرانيل، مع أنه لا يصح نسبة جميع أهالى الوطن لهذه الحالة التي لا تليق.

وقد كان لهذا الاتجاه الجرئ نتيجته المحتومه فغض المجلس، غير أن النواب الأحرار اجتمعوا في بيت الشيخ البكرى نقيب الأشراف، ثم في منزل إسماعيل راغب رئيس مجلس النواب وعقدوا " جمعية وطنية " تضم صفوة كبراء البلد وأصحاب الرأى، وتم اتفاقهم على المطالبة باسقاط الوزارة الأوربية وتأليف وزارة وطنية برئاسة شرف كما طالبوا في " اللائحة الوطنية " التي وقعوها، بتعديل نظام مجلس شورى النواب وتخويله السلطة المعترف بها المجالس النيابية في أوربا وتقرير مبدا المسئولية الوزارية أمامه.

وقد أذعن الخديو إسماعيل لقوة الرأى العام، ووافق على المطالب مرغما وكان ذلك انتصارا للمجلس، وتم وضع الدستور الأول (دستور ١٨٧٩) على أحداث المبادئ العصرية، مخولا مجلس النواب سلطة البرلمان الحديثة، وقوامها حق اقرار القوانين واقرار الميزانية وجعل الوزارة مسئولة أمامه. كما خول سكان السودان حق انتخاب ممثلين لهم في مجلس النواب، باعتبار السودان جزءا من الدولة المصرية.

غير أن هذا الدستور لم يصدر اذ سرعان ما سقط إسماعيل وفض المجلس، ثم اجتمع المجلس مرة أخرى في ظل حكم توفيق (ديسمبر ١٨٨٦) ووضع دستور (١٨٨٢) الذي صدر به المرسوم الخديو، ويعد " محمد شريف " مؤسس النظام الدستورى في مصر. وقد كان أحد أعضاء البعثات إلى فرنسا ١٨٤٤ وتخصص في الفنون الحربية. وكان شريف يكره التدخل الاجنبى والحكم الاستبدادى ويطالب بوجوب اقامة الحكم الدستورى، ووضع حد للتدخل الأجنبى، وكان رأى شريف أن الطريقة الوحيدة للخلاص من الورطات التي كانت محيطة بالبلاد هى توسيع نطاق الشورى، وأشراك رأى نواب الأهالى مع الحكومة.

[المراجع]

عصر إسماعيل: عبد الرحمن الرافعى.

زعماء الاصلاح: أحمد أمين.

المجددون في الإسلام: عبد المتعال الصعيدى.

عصر محمد على: عبد الرحمن الرافعى.

تاريخ الأدب الربى: جورجى زيدان (الجزء الأخير).تقويم الفكر الدينى: محمود الشرقاوى. أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك: خير الدين التونسى.

<<  <   >  >>