الشرق بعض المعانى المستحدثة للحرية كانت هذه المعانى اساسا موجودة في الثقافة العربية لوم تكن جديدة عليها. وأن موقف العلماء عام ١٧٩٥ في تحرير الشعب من ظلم الحكام وتوقيع وثيقة حقوق الانسان العربية في مصر انما جاء قبل أن تستكمل الثورة الفرنسية نضوجها, ولم يكن تقليدا لها, وانما كان انبعاثا من واقعنا العربي الإسلامي, فققد أحرز العلماء نصرا بارغام إبراهيم بك ومراد بك على أن يوفعا حجة عامة يتعهدان فيها بأن يتوبا عن المظالم ورجعا إلى الحق ويكفا أتباعهما عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس وأن يسيرا في الناس سيرة حسنة.
ثم كانت ثورة الأهالى على الحاكم خورشيد واقصائه تحمل نفس المعنى المستمد من المفهوم العربي للحرية وقد قال عمر مكرم بالنص:
"لقد كان لأهل مصر دائما الحق في أن يعزلوا الوالي اذا اساء ولم يرض الناس عنه"
لذلك فان أثر الثورة الفرنسية لم يكن أكثر من ترديد المعانى التي كانت واضحة في مقومات الفكر العربي الإسلامي والتي يمكن أن يقال أنها انتقلت منه إلى فرنسا وأوربا
جميعا بحكم أن يقال أنها انتقلت منه إلى فرنسا وأوربا جميعا بحكم الاتصال وعمليات العطاء والأخذ التي تمت عن طريق امتداد الثقافة العربية من اسبانيا إلى فرنسا وعن طريق الحروب الصليبية وعن طريق امتداد النفوذ العثمانى الإسلامي إلى اسوار فينا.
غير أن الغزو الفكرى الفرنسي لم يدع فرصة في خلال فترة ما بين الحربين دون أن يثير إلى أثر الثورة الفرنسية في الفكر العربي الإسلامي الحديث ومدى ما تأثرت به الدولة العثمانية والشام ومصر.
ويمكن القول بأن سلطان "الجديد" , وارتباط الثقافة للغربية بالاحتلال العسكري انما كان هما المصدر الأول لاقتباس أنظمة الحكم الغربية. فقد كان لابد من رد فعل عربي للتحدى الغربي بالوقوف في صف غزوه واحتلاله بنقل أنظمته
ومحاولة تعريبها وهي محاولة لم تنجح أول الأمر, ذلك لأن أمثال إسماعيل وخير الدين التونسى ومصطفى كمال وكرومر وليوتى أنما كانوا يهدفون جميعا إلى فرض هذه الأنظمة السياسية فرضا للقضاء على الأنظمة المستمدة من الإسلام.
ولا شك أن دعوة "القومية" للتحرر من "استبداد العثمانيين" التي قامت في الوطن العربي قد وجدت عونا من الغزو الثقافي العربي إلى ذى كان يهدف من وراء مظاهر هذه الدعوة إلى تفتيت الوحدة القائمة في الوطن العربي, قاذا جاء دور أكتمال دعوة القومية العربية حال دون قيامها كما حدث فعلا بعد الحرب العالية الأولى بتمزيق الوطن العربي إلى دول ودويلات.
***
[الحملة الفرنسية]
وقد كان لدعوة الغزو الثقافي الفرنسي أثرها البعيد المدى في تصوير النتائج المترتبة على الحملة الفرنسية بحيث أمكن رسم صورة بعيدة عن الواقع لآثار ونتائج هذه الحملة وقد أغرقت كتب التاريخ التي يدرسها الطلبة في العالم الغربي يمثل هذه "الأكذوبة" الضخمة وقد تردد أن الحملة الفرنسية هي أول مجارى الثورة الفرنسية إلى الشرق العربي وان ما أطلق عليه رئيف خوري "الفتح النابليونى" قد "هز جو الجمود الذي كان مخيما على مصر فنهضت واتجهت الميول إلى الارتشاف من الثقافة الفرنسية". والواقع أن الحملة الفرنسية كانت أول صدام حقيقى بين الشرق والغرب بعد الحرب الصليبية. وأن الوحدة العربية التي كانت قد غمت تحت سيطرة الجمود الذي أصاب الامبراطورية العثمانية لم تلبث أن استيقظت على هذا الغزو فواجهته مواجهة جبارة رائعة ومازال التاريخ يحمل لها صورة من البطولة في المقاومة والفداء في البذل. أذن فليست الحملة الفرنسية هي التي أيقظت العروبة بأثارها, بل أن العروبة استيقظت على هذه القوة الغازية وأرغمتها على العودة وكانت ثمرة هذه اليقظة قيام منظمة القاومة الشعبية التي عزلت الحاكم العثماني وفرضت حاكما بدلا منه باختيار الشعب, ثم بدأت النهضة العسكرية والصناعية والثقافية التي وجهها محمد على إلى عمل ديكتاتوري لتحقيق مطامعه الخاصة فكان ان تحطم الكيان كله لأنه لم يقم على أساس من القوى الشعبية لتى تحمل على كواهلها أعباء النهضات.
ولقد كانت نهضة مصر باسم "الامبراطورية العربية" في عهد محمد على عملا ضخما لولا أنه لم يقم على أساس شعبى من ناحية ولم يكن خالص للهدف من الناحية الاخرى, وكانت دوافعه ذات مطامع خاصة لاقامة حكم اوتقراطى خالص لأسرته وأبنائها وأحفادها.