كان للدعوة الصهيونية أثرها في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، بعد أن عم أثرها الفكر العالمى كله، وتداخلت مع الفكر الغربي الاستعمارى والفكر الشرقى الماركسي. ولقد كان الفكر الصهيونى بالغ الأثر في هذين التيارين المتصارعين. ولعل أول ما يقال هنا أن أقوى نظريات الهدم والتدمير والتخريب التي حمل لوائها الاستعمار الغربي والغزو الثقافي إلى الشرق، والى العالم الإسلامي انما كانت من (ايداع) فلاسفة يهود أصلا، وصهيونيين ثانيا، يحملون الدعوة الأساسية التي حملتها الصهيونية ولونت بها الفكر العالمى بقصد فرلض سلطانها على الفكر العالمى والسيطرة على العالم، وتحقيق حلم انشاء الحكومة اليهودية الكبرى التي تحكم العالم كله.
ولقد ظهر الصراع قويا بين الفكر الصهيونى والفكر المسيحى في نواحي، وظهر الالتقاء في نواحى أخرى، ومن هنا نشأت تيارات ثلاث كانت تتضارب فيما بينها، ولكنها تلتقى عند هدف واحد هو: السيطرة على الوطن العربي الذي هو مفتاح العالم الأسود الأفرو آسيوى الذي ظل مركز الصراع بين الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيونى والاستعمار البلشفي.
***
[الماسونية الحديثة]
واذا كانت الدعوة الصهيونية قد أخذت سبيل العمل الحقيقى لاقامة كيان يهودي بمؤتمر "بال" عام ١٨٩٧ الذي يعد أول مؤتمر صهيونى وضعت فيه خطط المشروع الأساسى للعمل على اقامة دولة يهودية. كما وضعت به بروتوكولات صهيون التي استمدت مقوماتها كنظام من "التلمود"، فان هذا المؤتمر كان نتيجة لخطوات طويلة وأعمال تمهيدية بعيدة المدى، هذه الخطوات التي يمكن العودة بها إلى الوراء، ربما إلى مائة وثمانين عاما، أى إلى عام ١٧١٧ وهو العام الذي ولدت فيه "الماسونية الحديثة" في انجلترا ثم ١٧٢١ في فرنسا حيث أعلنت الماسونية أن هدفها هو المحافظة على نفوذ الاسرائيليين واتخذت من هيكل سليمان شعارا لها، وقد سيطرت اليهودية على أغلب محافل الماسونية في العالم ووجهتها للعمل واليها عزى كل ما أريق من دم في الاغتيالات الخفية التي دبرت ونفذت حيث سارت الماسونية مع الصهيونية لصنع الثورات أو اشعال نيرانها أو الاستفادة منها لتحقيق أغراضها.
وقد حققت الماسونية أكبر انتصار لها في الثورة الفرنسية (١٧٨٩ - ١٧٩٥) حيث كان أبرز أبطالها من اليهود: ميرابو وفولتير وروبسبير.
***
[الماسونية]
وقد حققت منظمات الماسونية نجاحا واضحا في الوطن العربي كدعوة وظهر لها تيار فكرى واضح في مؤلفات متعددة وكتابات وصحف، فكتب في الدعوة لها جورجى زيدان وكان شاهين مكاريوس بمجلته اللطائف من أكبر دعاماتها وكتب في الترويج لها محمد سعيد المراغى وأحمد زكى أبو شادى وعزيز ميرهم وغيرهم كثيرون، وهاجمها مؤلف كتاب "كشف الظنون عن حال الخرمسون" والأب لويس شيخو اليسوعى صاحب مجلة (الشرق).
وقد طبعت قوانينها بالعربية في بيروت ١٨٨١ وطبعت "النظامات" في مصر ١٨٩٠ ووصفها جورجى زيدان بأنها أقدم الجمعيات الحية وأرجع انشائها لأول القرن الثامن قبل الميلاد في زمن (نومايومبيلوس) وقد تقلبت في أحوال شتى ووصف عزيز ميرهم كلمة (الماسون) بمعنى البنيان، وأرجع تكوينها الأول إلى البنائين الذين وضعوا فن البناء، ثم تطورت من مزاولة فن البناء المادى إلى فن البناء الأدبى والاجتماعى وبقى من آثار الجماعة