للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ألهم هذا الموقف الدكتور طه حسين وضع كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الذي صور فيه ما ينبغى أن يكون عليه نظام التعليم والتثقيف في مصر بعد الاستقلال كما اشار إلى ذلك في حديث له مع الأهرام في ٧/ ١٠/١٩٣٨ بعد عودته من فرنسا أثر احرازه دكتوراه جامعة ليون. قال أن قراءاته كانت عن نظم التعليم في البلاد الاوربية والمعروف أن كتاب (مستقبل الثقافة) كان بعيد الأثر في تيار التغريب الفكرى, اذ أن طه حسين دعا فيه لأول مرة دعوته الجريئة إلى نقل الحضارة: خيرها وشرها وحلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد وما يعاب وقال "أننا لا سبيل لنا غير ذلك فقد وقعنا في مونترو معاهدة تفرض علينا أن نأخذ نظم الغرب في الحكم وأساليبه في الثقافة ".

× والموقف الثانى عندما سقطت فرنسا في براثن الغزو الفرنسي واستقبل كتابنا العرب هذا الحدث بالرثاء البالغ لها. وفي مقدمتهم طه حسين.

ولم يقل أحد من كتاب التغرب في فرنسا كلمة الحق التي قالها المارشال بيتان " لقد جاءت الهزيمة من الانحلال فدمرت روح اللذات واللهو ما شيدته روح التضحية.

وقد حمل كتاب العالم العربي على مصر وكتابها لهذا الموقف في الوقت الذي كانت فيه فرنسا (حاملة لواء الرأى الحر والحضارة) تضرب أهل دمشق بالدافع وتذيق عرب المغرب أشد ألوان الاضطهاد والعدوان باسم مبادئ الثورة الفرنسية: الحرية والأخاء والمساواة. وعجب كتاب سوريا من كتاب عرب بيكون على فرنسا متناسين ما فعلته بالعرب وما أنزلته من النكبات بعد الحرب العالمية الأولى.

وآية عدوان فرنسا أن الجنرال ليوتى الاستعمارى الفرنسي الطاغية قد اختير عضوا في الاكاديمية الفرنسية نظرا لعملة الاستعمارى في شمال أفريقيا فكان خطابة الافتتاحى عن تمجيد الاستعمار وتزيينه والحث عليه ومما وقال "الادب الفرنسي لا ينفصل عن الاستعمار الفرنسي" .. وقال أن الاستعمار مصدر هام للقوة والثروة ومنبع لا ينضب للجيش وساحة تدريب وتكوين للقواد وقد ردد كتاب العرب ما توصف به فرنسا من أنها محررة الأمم أو مشعل النور وما هى الا اكاذيب.

وأثار ساطع الحصرى إلى ما ادعاه كتاب مصر من التفريق بين فرنسا الفكرية وفرنسا السياسية فقال انه محض اختلاف وأنه لا يمكن التمييز بين فرنسا الأدبية التمدنة وفرنسا المستعمرة وأن الأدب الفرنسي لم يلتزم الحياد تجاه السياسة الفرنسية بوجه عام وحيال السياسة الاستعمارية بوجه خاص بل على العكس من ذلك اتبرى لخدمة تلك السياسة بكل الوسائل الممكنة فقد كتب الأدباء الفرنسيون المقالات والخطب والأشعار والقصص والروايات التي تمجد الاستعمار وتزينه في النفوس, وأن الأكاديمية الفرنسية اختارت رجالها من بين صناديد الاستعمار وان الأدب الفرنسي لم يرفع النفس الفرنسية إلى درجة الوصاية الرشيدة على ميراث الفضائل الانسانية. وأكبر دليل على ذلك الأسس الاجتماعية الفاسدة والبراكين الداخلية والاغلال والتفكك. وأن مؤتمر مونترو لالغاء الامتيازات كما عرض كثيرون من الكتاب للادعاءات التي رددها الفرنسيون عن أن ثورتهم هى أولى الثورات فقالوا أن هناك عشرات من الثورات قامت قبل ثورة باريس المعلومة, وقد اعترف الفرنسيون بأنهم تأخروا في تحقيق المساواة والعدل الاجتماعى. كما نقد الفيلسوف الانجليزي هربرت سنبسر الاسطورة القائلة بتفوق الفرنسيين على جميع الشعوب وافتقد انتقادا لاذعا المبالغات التي اطلقت على فرنسا لقب محررة الأمم. وقالوا أن سبق فرنسا انما كان في أوراسط القرن السابع عشر وأواخر القرن الثامن عشر غير انه في القرن التاسع عشر تبدلت حالة أوربا تبدلا هائلا ولم تحتفظ فرنسا بمنزلتها السابقة, هذا فضلا عن انهيار فرنسا السريع ازاء الغزو الألمانى.

***

[الثقافة الأمريكية]

كان الغزو الثقافي الامريكى في الأول الأمر عزوا تبشيريا دينيا ثم تطور إلى غزو فكرى كامل عن طريق الارساليات والتبشير والسينما والصحف والمطبوعات. وقد أنشأت أمريكا سبع جامعات أمريكية في الوطن العربي غير المدارس والبعثات الدينية وبلغ ما ينفق عليها حوالى ١٥ مليونا من الدولارات.

واذا كان الاتجاه الثقافي الامريكى هو محاولة سيطرة المسيحية البروتستاتية على الإسلام وعلى المسيحية في المذاهب الأخرى, فان هناك هدفا آخر أخذ مكانه هو تأيد "الصهيونية" فكريا وثقافيا وعن طريق البحث العلمى والتاريخى في محاولة ايجاد حق

<<  <   >  >>