(٢)
حملات على الدين
[مهاجمة الدين واعتبار الإسلام سبب التخلف]
تعددت حملات كتاب الغرب الذين قادوا معركة التغريب الثقافي على الدين وعلى الإسلام بتلذات بادعاء انه سبب التخلف للعرب والشعوب التي أعتنقته.
ونمثل للحملة على الدين ومهاجمة الإسلام بحملة الدوق داركواز بكتابه "مصر والمصريون" الذي صدر عام ١٨٩٣ جريا في نفس الطريق وان اقتصر الكتابة عن المصريين وحدهم. وقد ضم كتابه سلسلة من المطاعن القاسية وكان قوامه التعصب.
وحاول مؤلف الكتاب ان يصور الإسلام في صورة الدين الخرافى العتيق، ويصور المسلمين في صور ألضعاف العجزة. ونعى على المصريين ضعف الخلق القومى وعز تأخر الحركة الفكرية إلى الإسلام. وقال انه- أى الإسلام- هو السبب الأساسى في هذا التأخر وانه لا يحض على البحث في العلوم غير الدينية وأنكر ان للعرب الأوليين مدنية خاصة وأتهمهم باحراق مكتبة بالاسكندرية وادعى ان الإسلام هو الذي أمر بالحجاب.
[رد قاسم أمين]
وقد رد قاسم أمين على دوق داركور بكتابه "المصريون" باللغة الفرنسية. وقال ان رادكور ملئ بالحقد على المصريين والإسلام، جاهل بأصول الدين وتاريخ العرب. وان ما يوجد فعلا مما رمى به المصريين من قصور لا يرجع إلى طبيعتهم ولا إلى دينهم، وانما يرجع إلى أنهم كانوا يعيشون في ظل الاستبداد الذي أوقف تقدمهم ونهضتهم.
وقال قاسم أمين: ان الإسلام سبق الثورة الفرنسية بألفى سنة او يزيد حيث أنكر امتيازات النبلاء والثروة، ودعا إلى العدالة الاجتماعية. وان ليس في الإسلام طبقة تمثل السلطة الروحية التي كانت للكنيسة وانه أفسح المجال للكفايات وجعل للفقراء حقا معلوما في أحوال الأغنياء. وان النظام الإسلامي يؤكد الاخاء والمساواة، وان ضعف هذا النظام انما حدث نتيجة لاضطراب المسلمين وقيام أمراء طغاة يحكمون العالم الإسلامي مما أدى إلى شيوع الظلم والقسوة.
ونقد قاسم أمين حال المرأة في أوربا وقال: ان نظام تعدد الزوجات والطلاق هو نظام أرقى وأنقى من نظام الخلائل والتعدد غير الشرعى السائد في فرنسا وأوربا، هذا النظام الذي يطبع الأطفال بطابع الجريمة وان الإسلام قد احتاط لهذه الأخطار على ان الأصل أن يكون للرجل زوجة واحدة.
وأورد قاسم أمين احصاءا عن البغاء في فرنسا ودلل على ان ربع المواليد فيها غير شرعيين. وان ١٥٠ ألفا منهم قتلوا وهم يخرجون من بطون أمهاتهم كـ.
وقال قاسم: ان الميسريين يؤمنون بان الفضيلة مثل معنوى أعلى يضحى في سبيله بلذات الدنيا.
وأن الإسلام لم يمنع المصريين من دراسة الرياضة والجغرافيا والكيميا والطبيعة والفلك، وليس هو الذي أسلمهم لجماعة الطغاة المستبدين. وان الإسلام لم
يعترض تطور العقل الانسانى ولا تقدم العلوم ولا الآداب. ولم يحل دون اكتشاف الحقائق العلمية وان ما تسرب إلى الدين من أوهام وخرافات مما يراه بعض السائحين ليس من أصول الدين وخلص قاسم أمين إلى ان الاستعمار هو الذي حال بين بلادنا بين التقدم وان القناصل الأوربيين كانوا يكونون حكومات داخل الدولة تحمى المجرمين واللصوص وسفاكى الدماء من رعاياهم وان الغرب فرض تجارته علينا. وان رعاياهم كانوا مثلا للفساد والتسلط، وأنهم نعموا بخيرات البلاد دون ان يدفعوا مقابلا لها.
وقال ان حكام مصر حاولوا ألسير بمصر أولا ان أوربا خلقت لهم العثرات فأضحت البلاد مزرعة الغريب الأجنبى. وانه على الرغم من أن مصر تقابلهم بالاحترام فأنهم لم يجدوا سبيلا للاساءة ألا سلكوه. (ترجمة أحمد خاكى: الثقافة- ١٩/ ٥/ ١٩٤٢).