كانت الدعوة الفرعونية احدى دعوات التغريب والتجزئة والغزو الثقافي وقد وجدت أرضا خصبة وحمل لوائها الكتاب المسيحيون ثم اشترك فيها عدد من دعاة التغريب من الكتاب المصريين واستغل الاستعمار الكشوف الأثرية واصطنع أسلحة الصحافة والكتابة وغيرها في سبيل اثارة "عاطفة" لأمجاد مصر القديمة لربط مصر الحاضرة بها، وكان قوام دعوته أن المصريين جميعا أقباط وأن العرب غزاة. وأن القومية المصرية تتطلب فنا مصريا خالصا وأدبا محليا ولغة مصرية منفصلة من اللغة العربية. وقد حمل لواء الدعوة إلى اللغة المصرية كتاب غربيون وقضاة ومهندسون، ثم حملها كتاب مصريون. بغية القضاء على اللغة العربية.
وقد ظل دعاة التغريب يوجهون النظرية الفرعونية اتجاها منحرفا ضد القومية العربية حتى ظهر أحمد كمال باشا أول رائد مصري لعلم الآثار وأعلن أن اللغة العربية أصل للمصرية القديمة (الهيروغليفية) لما بينهما من الموافقة في كثير من العصور. وقد دفعه ايمانه بهذه النظرية إلى أعداد قاموس اللغة المصرية القديمة له يطبع حتى الآن، قضى في تأليفه ربع قرن ويقع في ٢٢ مجلدا ضخما كشف فيه عن حقيقة العلاقة بين اللسان المصري القديم واللغة العربية وجملة قوله "ان نصف اللغة التي استعملها قدماء المصريين هى عربية الأصل لفظا ومعنى فضلا عن أنها شبيهة بالعربية المصرية التي نستعملها اليوم، وبالجملة فان لغة المصريين القدماء هى لغة جزيرة العرب لا تختلف احداها هن الأخرى الا بالأمالات وبعض المترادفات فهما لهجتان في لغة واحدة وبذلك يكون قد تحدد القول بأن الفرعونية سلالة عربية وفدت إلى مصر من بين الموجات التي خرجت من جزيرة العرب ولم يعد هناك صراع حقيقى بين العربية والفرعونية".
ولا شك أن عظمة الفراعنة جزء من تاريخنا وأن ريادتهم للحضارة الانسانية شرف كبير، غير أن هناك فارق بين الحقائق تعرض مجردة أو في حلقة من حلقات التاريخ وبين استغلالها ونقلها إلى اتجاه منحرف للقضاء على الروابط العربية والإسلامية بين مصر والكيان العربي.
وقد كان الهدف السياسى لدعاة التغريب من بعث الدعوة الفرعونية هو احياء الوثنية واضعاف روح الإسلام واللغة العربية وتمزيق وحدة الفكر العربي المتجه في مجراه الواسع، وخلق ثنائيات فكرية ودعوات متعددة وقطع للماضى القريب عن المستقبل ومحاولة الارتباط تقديم منعزل ليست له ثقافة واضحة.
وغاية ما حققت هذه الدعوة في مجال الفكر العربي الإسلامي هو كسر الحاجز الذي كان يقف أمامه المفكرون دون دراسة تاريخ الفراعنة واعتباره من تراث الوثنية. وبذلك اعتبرت الحضارة المصرية جزءا من أمجادنا كعرب وشرق وخاصة بعد أن تبين مدى الارتباط بين الفراعنة والعرب وأن الفراعنة ما هم الا موجة من موجات الجزيرة العربية.
وقد جرى سجال في المقطم (أكتوبر ١٩٢٩) أثاره نقول الحداد حيث نقل رأى المؤرخ (رو لنصون) الذي يقول أن المصريين الأولين وفدوا من بلاد العرب وغزوا البحر الأحمر ونزلوا عند حدود الحبشة ثم تدرجوا إلى أن هبطوا وادى النيل وأسسوا دولتهم فاذا رجحت هذه النظرية فسيكون العرب قد دخلوا إلى مصر ثلاث مرات: الأولى وهى التي نحن بصددها والثانية غزوة الهكسوس أى الرعاة والثالثة: الفتح الإسلامي وبذلك لا يبقى شك أن المصريين القدماء (الفراعنة) سلالة عربية الأصل.
وردد أحمد زكى باشا (١٠ أكتوبر ١٩٢٩) قوله: "الفراعنة عرب غرباء" وقد أشار إلى أن القول الراجح من علماء العاديات المصرية ان أوائل المصريين الأقدمين قد هبطوا من أرض آسيا إلى وادى النيل. وقد أثبت ذلك بروكس الألمانى وابيرس الألمان ولوث ولبيان النرويجى. وكان أول من أثبت هذه النظرية "هومل الألماني" حين ذهب إلى أن الحضارة المصرية بحذافيرها كلها انما هى مشتقة من الحضارة البابلية اما الاخصائيون فيقولون بمجئ أوائل المصريين إلى هذا الوادى عن صحراء لوبيا وما اليها من الاصقاع الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط (١ هـ.).