المعنوية التي تحمل راية جهاد المحتلين والمنيرين وتفكيك الرابطة بين المسلمين والقضاء عليها نهائيا وهما الحائلان الهامان أمام اضطرار الاستعمار ونموه وتدعيم مقامه.
وحول هذه النقط ردد الكتاب الغربيون اتهامات متعددة فندها كتابنا في ردود قوية: كان أبلغها ما كتبه محمد عبده وفريد وجدى ومصطفى الغلابينى ومحب الدين الخطيب وشكيب وأرسلان وأحمد زكى باشا ورشيد رضا وعبد القادر المغربى.
وكان مجمل الرد على ذلك بأن الشريعة الإسلامية كليات وحدود عامة قابلة للتطور مرنة، تستطيع مسايرة الحضارة وهى بذلك شريعة لا تصطدم بالواقع وتجرى مع كل زمان وكل أمة، وقد قام الإسلام على النظر العقلى والاقناع بالحجة: وأقر قاعدة تلاقى العقل مع الشرع والتجاوب مع الزمن وتطور البيئة واختلافها ودعامته في الحكم: الشورى، والحاكم فيه ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحى وهو مطاع مادام على الحق ورضى المسلمين عنه، وليس في الإسلام سلطان الهى. كما ليس في الإسلام وسلطة ولا أكليروس وفيه- إلى ذلك- تسامح مع العلم وتقبل له، وتسامح مع الطوائف الأخرى وحماية لحقوقها وحرية اعتقادها وحماية مصالح الدنيا واباحة الزينة والطيبات والمزج بين الروحية والمادية.
وأن الجمود الذي استولى على المسلمين ليس سببه الإسلام، فجوهر الإسلام الذي دفع الأمة بقوة عجيبة وأنشأ هذه الحضارة الضخمة لم يتغير وجاء الخطر حين أخذ المسلمون بالتقليد وترويج خرافات وأوهام وثنية نسبت إلى الدين الذي لم يكن في حقيقتة الا محررا للعقول والأفهام من معانى الوثنية أو من معانى الاستبداد، أما المرأة فقد كرمها الإسلام ومنحها من الحقوق في الحياة والمال والقضاء ما سبق الغرب بقرون طويلة:
***
[الحملة على نظم المجتمع]
واتصلت الحملة على الإسلام بالحملة على نظم المجتمع وهدم الأخلاق واللغة والتاريخ وقد أذيع الإلحاد ونشرت الاباحة تحت اسم حرية الفكر بالدعوة إلى التحرر من قيود البيئة والوراثة وكل ما فيها من عقائد وعادات ونظم وقوانين مع التشكيك في كل العقائد والآراء الموروثة والمتداولة.
وجرت محاولات أخرى لنقل ما حدث في تركيا من القضاء على اللغة العربية والكتابة بالحروف اللاتينية.
واتصل هذا بالعمل على زلزلة النظام الاجتماعى وتحطيم الأسرة. وانتشار المخدرات وظهور الكوكايين وحماية المحتل له وتجارة الرقيق الأبيض ودور البغاء. وقد ظلت هذه التجارات محتكرة للانجليز وأعوانهم، ومضت فرنسا وبريطانيا تصدر المورفين والحشيش وتحمى أعمال تسميم الأمة بحاجز ضخم أطلق عليه اسم المحاكم المختلطة والمحاكم القنصلية والامتيازات الأجنبية تحمى المهربين واللصوص والسفاكين ومصاصى دماء الشعوب وفي الصحافة والسينما جرت محاولات متصلة لعرض الصورة المنحرفة والمائعة والرخرة وتغايب الحديث عن الممثلات والمغنيات والراقصات وأحاديث الأزياء والسهرات وملكات الجمال واستعراضات المانيكان والحديث عن مذاهب العرى والأدب الماجن والكتابة المكشوفة والاختلاط ووصف الشهوات واثارة الأهواء وترجمة القصص الاباحية وقد طغا هذا على كل شيء، وانزوى الحديث عن المثل العليا والقيم والأفكار الحية والتسامى فاذا جرى حديث حولها فهو عن المذاهب الغربية في الفلسفة والأدب والاجتماع والترجمة لعظماء الغرب وتمجيد دعاة الاستعمار والحاد والاثارة.
وحجب التراث العربي والإسلامي وسير أعلام العرب والإسلام وجرى أضعاف النعرة الوطنية والدينية باثارة الشكوك والاتهامات أو بالغض من شأن العاطفيات والحماسة باعتبارها عيب وخطأ أمام المذهب العلمى الحديث.
وقد كان لتعمق تيار للتغريب أثره الحياة الفكرية العربية فقد اضطربت الطوائف المختلفة واهتزت أمامها القيم. وانطوى معنى الزهادة والتجرد وغلبت روح اليغمية على حد قول داود بركات (لا تجد اليوم الشيخ الأزهرى العالم الذي يكتفى بالجراية مأكلا ولا الزعبوط ملبسا .. ولا تجد الراهب في عزلته في صومعته لا يشغله شاغل غير تسبيح ربه).
ومرجع هذا إلى غلبة النزعة المادية وتسلطها واختفاء روح التجرد والأريحية.
واتصل بهذا ما جرى من السخرية بالجادين والعالمين واحتقار المتدينين والاكتفاء بقشور الحضارة وغلبة روح التفرنج، وأعلن كرومر أن المسلم غير