وفى هذا المجال ظهرت مدارس أربع:
* المدرسة المصرية (رفاعة وعلى مبارك).
* المدرسة اللبنانية (وقد امتزجت بالمدرسة المصرية حينا).
* المدرسة المهجرية.
[المدرسة المصرية]
ظهرت المدرسة المصرية في تيار الثقافة الحديثة المتصلة بالغرب مبكرة في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر حينما بدأت البعثات المصرية إلى أوربا. وكان رائد هذه المدرسة هو " رفاعة الطهطاوى " (١٨٠١ - ١٨٧٣) الذي سافر إلى فرنسا ١٨٢٦ وعاد ١٨٣١ وعمل في ميادين الترجمة والتربية والصحافة والتأليف والتعليم والشعر. ونظم الأناشيد الوطنية وتراجم القوانين.
وكان رمزا على الرابطة بين الأزهر والثقافة الغربية، ولابد أنه كان هو بطبيعته النفسية متأهبا لحمل لواء هذه الرسالة، وتقبل التطور الفكرى بين دراسات الأزهر ودراسات الجامعات الغربية، وقد كان رفاعة عاما على المدرسة التي دعت إلى النقل والاقتباس من الثقافة والحضارة الغربية في حدود ما هو صالح منها وما هو نافع لنا. وقد حاول نقل خير ما وحد في أوربا، ونقد ما شاهده من عيوب في مجال الحضارة الغربية، ومرجع هذا إلى أصالة الثقافة العربية الإسلامية والمفاهيم الأساسية وايمانه بالكيان الفكرى الإسلامي الأصيل، وحرصه على تنقيته وصقله والزيادة فىه بالاقتباس، ولذلك فقد خال ذلك كله دون اضطراب شخيته أممام مفاتن الحضارة ومع ذلك فان هناك تحفظات على وجهة رفاعة الطهطاوى كشفت عنها الأبحاث فىما بعد وخاصة في موقفه من الاقتباس من الغرب ومن مفهوم الوطنية المصرية.
وكان لاستاذه (حسن العطار) الفضل في تكوين هذا الاتجاه عنده، فقد عرف العطار بالتجديد والايمان بضرورة النقل من الغرب بما يزيد شخصيتنا قوة.
ولعل حرص (رفاعة) على أن يحقق لوطنه ريادة كاملة في الفكر الغربي هو ما حمله على أن يساهم بهذا
المحصول الضخم في ميدان الفكر العربي، فقد كان أول من كتب عن " الوطنية القومية " ان صح اطلاق هذا التعبير عليها، على أساس غلبة اللون المصري ومقاومة الاتجاه التركى. وتعليم المرأة وتحريرها، وحب الوطن والمفاخرة به، ووحدة وادى النيل واحياء التاريخ القديم.
بل أنه قد تكلم عن قناة السويس وحق مصر فيها وصور مظالم الاقطاع فتحدث عما يلاقيه العمال الزراعيون من الظلم على أيدى الملاك الاقطاعيين وهاجم الاقطاع مهاجمة عنيفة وندد بالامتيازات الأجنبية.
ثم هاجم فرنسا لاحتلالها الجزائر. كما هاجم المجتمع الفرنسي وانتقد كثيرا من أخلاقه وعوائده وانتقد نظرة المجتمع الفرنسي العلاقة بين الرجل والمرأة وبذلك يكون (رفاعة) قد عمل في الميادين الخمسة التي حمل لوائها التيار الثقافي. وهي الاقتباس من الغرب بالترجمة والتعريب، وخلق الرأى العام وتهيئته بالصحافة ورفع مستوى الشعب بالتربية والتعليم، وتبسيط اللغة العربية وتحريرها من الزخرف وتحرير المرأة والدعوة إلى تعليمها، وتصحيح مفاهيم المجتمع.
وقد واجه (رفاعه) اضطهاد في عهد عباس نظرا لآرائه الجريئة في الحرية والحكم والدعوة إلى تجديد مصر وتحسين أوضاعها، واعتباره التربية: الأساس الأول لخدمة الوطن.
وهو يرى أن الوطن هو " عشيرة الانسان الذي فيه درج ومنه خرج ومجمع أسرته وهو البلد الذي نشأته تربته وغذاه هواءه، وأن حب الوطن من الايمان ومن طبع الأحرار احراز الحنين إلى الأوطان. ومولد الانسان على الدوام محبوب منشؤهن مألوف له ومرغوب. ولأرض الوطن حرمة كما للوالدة حق لبنيها والكريم لا يحقق أرضا بها قوابله ولا ينسى دارا بها قبائله ".
وقد شهد " رفاعة " الثورة الفرنسية ودرس عواملها وترجم مواد الدستور الفرنسي (دستور ١٨٢٤) وترجم القانون المدنى وقانون التجارة الفرنسي كما اشترك مع عبد الله أبو السعود وأحمد حلمى في نقل قانون المحاكمات وقانون الحدود والجنايات.
ولم يقبل رفاعة أن يشترك في مشروع الخديو إسماعيل انقل قوانين نابليون واحلالها بدل التشريع الإسلامي. كما اقتبس من الدستور الفرنسي عدة عبارات