للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينشئ مجتمعنا مثاليا, غير أن هذه الأنظمة والمذاهب والعقائد تداعت وفشلت ولم تحقق أى نتيجة ايجابية.

ثم كان لظهور المادية الماركسية الشيوعية أثرها في قيام صراع عالمى ضخم بعيد المدى بين المجتمعات الرأسمالية المسيحية وبين المجتمعات الشيوعية الماركسية مما حال دون الوصول إلى نظام مثالى (أثيوبيا) صالحة

وكان سقوط فرنسا دلالة كبرى على مدى الانهيار في النفسية الغربية والمجتمع الغربي وهكذا عجزت الحضارة الغربية عن أن تقدم للانسانية مجتمعا ناجحا, وعاش في ضرام من المذاهب المتناحرة, القائمة على الاستعلاء بنعرة الجنس وعصبية اللون ومحاولة السيطرة على العالم الملون واستغلال الاستعمار لكل ما لدى الحضارة الغربية من علم وأدب وفلسفة في سبيل السيطرة. وكان غزو أوربا لآسيا وأفريقيا غزوا استعماريا ماديا لا غزوا حضاريا, انهارت معه كل ادعاءات الحضارة في الحرية والأخاء والمساواة وتمدين الشعوب وحق تقرير المصير والحريات الأربع وما سوى ذلك من شعارات أعلنها الغرب خادعا بها, وتبددت في ظل الأحداث الدموية الرهيبة كل دعوات الرجل الأبيض المتمدن وعن أمانته في نقل الحضارة إلى الجنس البشرى, فقد تبين أن الاستعمار والاستغلال والمطامع المادية والاقتصادية هى الأسس الحقيقية للحضارة الغربية, وقد اشترك في هذه النزعة كلا المذهبين العالميين على العالم الغربى: الرأسمالية المسيحية والشيوعية الماركسية, فهما كلاهما: يحاربان الأديان وينكران الجوانب الروحية ويتصارعان على امتلاك أراضى جديدة بها خامات تقدم وقودا للمصانع وأسواقا لتصريف الانتاج.

***

[مادية الحضارة وروحية الشرق]

غير أن هذا كله لم يمض دون أن يتنبه الفلاسفة والمفكرون إلى مدى خطر "مادية الحضارة العالمية" فتراجعت قدرة العلم المادية المطلقة, وظهرت مذاهب جديدة تهدم المذاهب القديمة, وأعلن قادة الفكر الغربي بأن الحضارة يجب أن تلتمس لها روح وايمان, من ذلك دعوة أوجست كمنت إلى ديانة الانسانية.

ووصل العلماء بتطور المفاهيم والأبحاث إلى أن العلم قد عجز "وحده" عن أن يكون غذاء نفسيا للشعوب الغربية, وأنه لامفر من الالتجاء إلى الشرق وأديانه وروحانيته.

وكان هذا اعلانا لافلاس الحضارة الغربية المادية. وبدأت أوربا في الثلاثينيات من هذا القرن تبحث مذاهب الهند القديمة, وانبعث دعوة الثيوصوفية وهو مذهب يدل على التعطش الروحى, وكان العلامة "هالدين"

عندما أصدر كتابه (المادية) قد أثار ضجة كبرى وصفت بأنها دقت المسمار الأخير في نعش المادية فقد قال أن اولئك الذين يؤمنون بالمعجزات على حق, ومثلهم في صحة العقيدة اخوانهم الذين يؤمنون بأن الحياة أساسها كيمائى نفسى, والنفس من عالم الأرواح منشئوها واليه مآبها, وان الحقيقة التي طفق الانسان يبحث عنها دهورا عديدة, وأعياه نشدانها, هذه الحقيقة روحانية في جوهرها, والروح لا يدركها العقل.

ثم قال "انتشين" العالم المادى الكبير" أن العالم فكرة في عقل الله " وأعلن الكثيرون أن نظرية (النشوء والارتقاء) المبنية على "النظرية الحتمية" قد انهار جوهرها من الأساس بعد ظهور نظرية تحطيم الذرة واثبات انها تتجزأ.

وقال (هارلود لاسكى) انه اذا كانت أوربا تخلصت من وصمة التعصب المذهبى في نطاق الدين فانها لاتزال تتخبط في حمأة التعصب المذهبى في نطاق الاقتصاد والسياسة.

وقال "لاسكى" أن الحضارة تمر بمحنة من الشك والجدف والإلحاد وتميع المعايير الثقافية والقيم والاخلاقية بصورة لم تنذر بشر مستطير في حياة الفرد وحياة الجماعة وأن الحضارة فقدت ثقتها في نفسها كما فقدت ايمانها العميق بحيوية القيم الثقافية السائدة, وعجزت عن تحقيق ذلك الوفاق المنشود بين عالم المثل الأعلى الممثل في كتابات الانسانيين وبين حقائق هذا الواقع الحافل باهوائه وأطماعه وخصوماته وأن استفحال النظام الرأسمالى سخر سلطات التشريع والسياية لخدمة مصالحة دون احتضان برامج الاصلاح الاجتماعى,

وقال (جون دودف) ان الغرب الذي يتيه فخرا بطابع حضارته الوضعية الحديثة, هذا الطابع الذي يطلق عليه اسم "المودرنزم" أو العصرية التطورية قد قامر بكل رأس ماله على مائدة هذا الودرنزم, بل وافنى شخصيته الانسانية بكل طاقتها الابتداعية والروحية,

<<  <   >  >>