للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العرب بين الامبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية]

كي نستطيع أن نصور معالم الفكر العربي الإسلامي المعاصر وتياراته في هذه الفترة علينا أن نستعرض الحياة السياسية للعالم العربي التي سيطرت على الكيان العربي والإسلامي أكثر من أربعة قرون، والتي كان الوطن العربي جزءا منها حتى أوائل الحرب العالمية الاولى ١٩١٧.

ولقد ارتبط تاريخ الوطن العربي بتركيا أمدا طويلا حتى بعد أن انفصل عنها، عندما انتهت الدولة العثمانية وسقطت الخلافة وقامت الجمهورية التركية، فقد ظل الوطن العربي يتطلع إلى هذا الجزء من الالم الإسلامي، الذي ارتبط به برباط الخلافة الإسلامية والتبعية للامبراطورية العثمانية، ثم ظل مشدود النظر اليها وهى تنهزم في الحرب العالمية الأولى ثم تحارب اليونان وتحرر وتنتقل إلى دولة عصرى علمانية تنفصل عن الشرق والإسلام وتتجه إلى الغرب، وتلغى النظم القديمة وتلغى اللغة وتكتب اللاتينية من الشمال وتحرر المرأة وتفرض القبعة.

ولقد كان لتركيا في المرحلتين أثرها في الوطن العربي في المرحلة الأولى وهى قائمة باسم الخلافة الإسلامية عندما بدأت حركة الوحدة الإسلامية التي قادها السلطان عبد الحميد باسم العالم الإسلامي كله في مواجهة المؤامرة الاستعمارية الصهيونية والتي حاولت السيطرة على فلسطين ثم كيف عملت الحركة الطورانية التي قادرها جماعة الاتحاد والترقى لاسقاطه والقضاء على حركة الوحدة الإسلامية واحلال دعوى القوميات والعنصرية وفتح الطريق أمام الصهيونية للسيطرة على فلسطين وتسليم طرابلس الغرب لايطاليا واقامة ذلك الصراع العنيف مع العرب في محاولة لتتريكهم حيث وقعت المعركة بين العرب والاتحاديين، وانتهت بانفصال العرب عنهم.

وفي المرحلة الثانية: عندما اتهزمت تركيا العثمانية في الحرب العالمية الأولى. وسقطت في يد الحلفاء، وتبع ذلك قيام مصطفى كمال بحركة التغريب والارتماء في أحضان الغرب كلية والقضاء على الخلافة والسلطنة حيث قبلت تركيا الاندماج الكامل في النظم الغربية وانفصلت انفصالا كاملا عن الشرق والإسلام والعرب في اللغة والفكر والسياسة والاجتماع.

فى هذه المرحلة أيضا، كان العرب مشدودو النظر نحو تركيا. وقد كان لهذا التطور الحضارى والثقافي أثره في الوطن العربي، بل وفي العالم الإسلامي أيضا، حيث تأثرت به ايران وأفغانستان.

بل لعلنا لا نعدو الحق اذا قلنا، " أن حركة التغريب " في الوطن العربي انما تطورت وتعمقت على أثر حركة التغريب التي قامت بها تركيا الحديثة التي رأت أو الوسيلة المثلى للنهضة والحرية هي قبول الحضارة الغربية قبولا كاملا.

وقد تم هذا التحول بقوة السلطة الحاكمة وسلطان القانون المفروض، ولم يتم بالاقناع والتطور، لذلك لم يكن عميق الجذور وسرعان ما اعتوره الاضطراب ولم يعدو طوال عشرين عاما ما بين (١٩٢٤ - ١٩٤٤) أن يكون الا قشرة ظاهرية، مما حمل الباحثين على التول بأن تركيا في خلال هذه الفترة كانت تعانى آلام المخاض.

وقد ظهرت دلائل تؤكد ذلك فيما بعد، حين اضطرت الحكومة التركية إلى اعادة الكثير من معالم الحياة الفكرية والروحية القديمة بعد أن ثبت أن القضاء عليها كان غير يسير.

وقبل أن يبزغ القرن التاسع عشر كان نابليون قد زحف إلى الشرق بأسطوله واحتل مصر، وسأ إلى عكا ومحاولا فتحها وأثارت حركته مطامع بريطانيا حيث تم

<<  <   >  >>