وقد بدأت حركة المقاومة السياسية للاستعمار، منذ اليوم الأول للاحتلال وفي نفس الوقت بدأت حركة رد الفعل إلى عدة ميادين في وقت واحد.
وكان أبلغ ما تدل عليه هو: قوة الشخصية العربية الإسلامية وقدرتها على المقاومة وصلابتها واعتدادها، ووقوفها موقف الرد على التحدى.
لقد حاول الاستعمار أن يستغل ضعف العالم الإسلامي والوطن العربي فكريا واجتماعيا وسياسيا للسيطرة عليها، ولكن المنطقة استطاعت أن تواجه هذه المعركة في يقظة وقوة، فمضى الفكر العربي الإسلامي يرفع عن نفسه أصر الجمود ويستكشف معدنه الأصيل المخبوء تحت ضباب الجمود الذي ران على الشرق.
كانت مهمة الفكر العربي في الفترة: تجديد الفكر الدينى، وكشف حقيقة المعالم الأساسية للثقافة العربة والتراث الإسلامي، وفتح باب الاجتهاد. ومواجهة أفكار الغرب وذلك بالنظر فىها وتقبل بعضها ومارضة بعضها الآخر والرد على ما وجهه الغرب إلى العرب والمسامين من اتهامات، ونقض النظريات الفكرة الاستعمارية.
كما واجه الفكر العربي الإسلامي حملات التبشير والاستشراق والتغريب، فلم يقف ازاء الحضارة الغربية الغازية موقف الجمود، بل سعران ما فصل بين الحضارة والثقافة. فوقف من الحضارة موقف القبول لوسائلها وأدواتها وأن عارض الجانب الاباحى منها.
أما من ناحية الثقافة فقد وقف منها موقف الحذر، فرفض مذاهبها التي تتعارض مع روحه ومقوماته، وقبل أساليبها في البحث، فجدد بها ثقافته وتاريخه وتراثه.
ولقد كانت المعركة بين الفكر العربي الإسلامي، والفكر الغربي طويلة المدى عميقة الجذور وهى ما تزال مستمرة لما تتوقف، خلال مائة عام من اندلاعها، ولكن على مستوى آخر غير مستواها الأول، فقد كان الاستعمار يطمع بقوته واساحته وسلطاته وجيوش احتلاله أن يفرض ثقافته وحضارته فرضا كاملا، وأن يمسخ الثقافة العربية والفكر العربي الإسلامي مسخا نهائيا، ليقضى على أصوله وجذوره وتراثه ومعالمه الأولى، غير أن المقاومة القادرة على رد التحدى حالت دون سقوط الفكر
العربي الإسلامي، بل ردت عليه قوته وحياته بما استفادت من تبادل القذائف في المعركة، فأن الفكر العربي الإسلامي لم يلبث أن استيقظ ونفض عنه غبار الجمود وحاول أن ينطلق بقوة تعوض ما فاته خلال الاغفاءة الطويلة التي قضاها مقيدا بسلاسل الجمود الذي سقطت في هوته الامبراطورية العثمانية، فعمل في ميادين البعث والتجديد والاقتباس والنقل والترجمة للدفاع عن كياته وهذا العمل في جملته يهدف الى:
المحافظة على الاسس الأصلية للشخصية.
التقريب بين وجهات النظر.
الاستفادة من الجديد والانتفاع به.
صقل التراث القديم وابرازه في صوره عصرية ..
تصحيح الاخطاء المتعمدة وغير المتعمدة.
الانتفاع بأسلحة الغزو لرد الغزو نفسه.
لقد كانت تيارات الغزو مدعمة بأسلحة مختلفة منها جيش الاحتلال وسلطان الاستعمار، والأمراء، والحكام، والعملاء من المفكرين والسياسيين ولم يكن يقف في وجهها أو يردها ألا صلابة القوى الشعبية العميقة الايمان بشخصيتها وتراثها وقيمها، لذلك قام معسكر قوى للدفاع عن الكيان الفكرى العربي الإسلامي، مهماتهم هذا الكيان " بالمحافظة " فانه كان الحاجز الضخم الذي رد " موجة الادماج " وحال دون بلوغ الاستثمار غايته في القضاء على مقومات الفكر العربي الإسلامي، مما اضطر معه أن يعدل من خططه بعد أن تأكد من أن محاولة القضاء النهائي على كيان الفكر العربي الإسلامي ومقوماته، هو أمر جد مستحيل.
ولما فشلت معركة " الادماج " بدأت معركة " التغريب " وهى معركة أشد قوة لأنها معركة غير مكشوفة، ولكنها خفية تسرى في برامج التعليم ومناهج البحث ويسيطر عليها الاستعمار من عدة نواحى، من ناحية الصحيفة والمدرسة، والكتاب، والسينما، والاذاعة.
وهذه هى المعركة الضخمة التي خاضها الفكر العربي الإسلامي وواجهها في صلابة، وهي موضع دراستنا هنا في مجال مرحلتها الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (١٩٤٤) حيث بدأت معركة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية أشد عنفا وأخطر قتالا وسيكون مجالها دراسة أخرى.