وقد سفت الصحافة كثيرا ولم تحاول أن ترتفع بالقارئ وكانت في مجموع أبحاثها تعمد إلى العبارات الانشائية، وكانت كتاباتها سريعة غير ناضجة وأنها عجزت عن أن تؤدى مهنة الصحافة الحقيقية وهى توخى المصالح العامة. واحترام المسؤليات والبعد عن التهريج
ومن العجب أن الصحف التي كانت تمثل الأقلية وأحزاب الأسر والاقطاع كانت تدافع عن الحرية وكانت تثور لحرية الرأى بينما تؤيد في نفس الوقت الوزارة التي تعطل الدستور والحياة النيابية.
مما يؤكد بأن المعانى والآراء والأقلام لم تكن الا أدوات في سبيل غرض معين.
وقد فسر دفاع جريدة السياسة عن على عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) حينما كتبت جريدة السياسة عشرات المقالات في الدفاع عن حرية الرأى
- انه كان دفاعا خفيا عن أمرين. أولا: نفوذ أسرة على عبد الرازق وهى احدى دعائم حزب الأحرار: ثانيا: خصومتها للملك فؤاد الذي كان يطمع في الخلافة وتأييد رأى بريطانيا في منعه من النجاح في هذه الدعوة.
وقد أيد هيكل في السياسة عمل (عدلى) على تحطيم وحدة الأمة بقيادة سعد، وأيد (زيور) الذي جمع البرلمان في الظهر وفضة في المساء، وأيد محمد محمود صاحب اليد الحديدية.
وقد دافعت صحف الأحرار والصحف المحايدة، وبعض كتاب صحف الوفد عن تيار التغريب والارتباط بالغرب، وأندفعت وراء قبول الاستيراد في الفكر وتقبل الثقافة الغربية قبولا كاملا دون تحفظ مع التبعية دون الاقتباس، أما الصحافة الوطنية فكانت وسطا وأكثر اعتدالا وتحفظا، وكانت تدعو إلى المحافظة واتخاذ سبيل الاقتباس والتحفظ، غير أن صوت الصحف المحايدة كان أقوى ونفوذها كان أكبر.
وخلقت الصحف الهازلة تيارا عمل على تمييع كل القيم والمقدسات، وادخال عنصر السخرية والتهريج على الثقافة والفكر ووالأهداف والمثل العليا. وقد أشار توفيق حبيب إلى صحف الكاريكاتير فقال أنها عملت منذ اليوم الأول على نهش الأعراض.
وقد عجزت الصحافة في هذه الفترة على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانت مقالاتها تمثل وجهات نظر معينة شخصية، وهى وجهات نظر القصر أو الاستعمار
أو الاقطاع أو الأحزاب ولم تتحدث الصحف عن حقوق العمال أو الفلاحين أو التعاون الا على نحو التنفيس عن الطاقة المكبوتة.
واختفت في هذا العهد المثالية الصفية التي حمل لوائها أحمد توفيق ومصطفى كامل ومحمد فريد وعبد العزيز شاويش وكان آخر من حمل لوائها أمين الرافعى.
كما عجزت الصحف عن قول كلمة الحق، في كثير من المواقف، واضطرت إلى أن تداور، ومع ذلك ان صحفا رفضت ان تنشر مذكرات محمد فريد لأن بها بيانات فاضحة عن تصرف إسماعيل، وشاع ان الوكالة البريطانية تخطب ود كل لين العريكة (عل حد تعبير محمد لطفى جمعه).
وفي عهود حكومات أحزاب الأقلية: الأحرار الدستوريين والاتحاد والشعب، كانت أموال الصحف تجمع بواسطة العمد والمديرين، وقد أنفق محمد محمود باشا على جريدة السياسة من ماله الخاص ما يقرب من ٥٠ ألفا من الجنيهات.
ولم تكن هناك صحف مصرية تدخل المغرب الا جريدة الأهرام، ولا تدخل العراق وفلسطين- في فترة من الفقرات - الا جريدة المقطم.
لا غرابة في هذا الاضطراب الفكرى والصحفى كله فقد كانت عناصر اليهود والأتراك والسوريين والشركس واليونان هى التي تسيطر على السياسة والاقتصاد والسياسة.
***
[إيجابية الصحافة]
وبعد فماذا كان دور الصحافة الايجابى في الفكر الإسلامي خلال هذه الفترة (ما بين الحربين).
لقد قاومت الصحافة الاستعمار والمستعمرين وأعوانهم، ودافعت عن القيم والمقومات الإسلامية والعربية والمصرية، كما دافعت عن اللغة العربية وحرية التعليم وهاجمت المخدرات والبغاء والتبشير.
وكان أبرز ما تناولته الصحافة في موضوعات السياسية: الاستقلال والمفاوضات والدستور والسودان"