للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب الحال اللازم لانهاض بلادهم واستمثارها. أن وجوده في أوربا وأمريكا فانهم يدفعون فيه ثمنا غاليا. هذه الفكرة لا نصل لها الا باعتناق فكرة الجامعة السامية التي توحد جميع الموارد والجهود لتحقيق أمانى الفريقين ... ان العبقرية اليهودية في حاجة إلى أن تستمد قوة جديدة من الأرض التي نشأت فيها، وأن مهمة الجامعة السامية هى احياء الشرق وايحاد الصلة بين اليهود وبين العرب". أ. هـ.

هذه صورة من الاتجاه الصهيونى الذي حاول السيطرة على الفكر العربي لاقناعه بمغالطات وأكاذيب في محاولة ايجاد جامعة سامية بين العرب وبين الصهيونيين الذين لا صحة لنسبهم واتصالهم الحقيقى بيهود العالم العربي ولا بالسامية اطلاقا، فضلا عن الخداع العجيب الذي تطويه الكلمات المسمومة حين يدعى قدمى كوهين) المستشار بمحكمة الاستئناف بباريس بأنه يكتب ما يطلق عليه (افلاس الصهيونية) في حين أنه يرسم مؤامرة أشد خطورة حين يحاول خداع العرب بصداقة الصهيونية وامكان الاخاء بينهما، وهم يغدرون بجزء هام من أرض الأمة العربية ويغتصبونه، وقد رد عليه كثأون يفندون آرائه المسمومة. وقال محمد رفيق اللبابيدى (١٧/ ١٠ عام ١٩٣١ - الأهرام) أنه اذا كانت الدعوة السامية معناها أن العرب يتسامحون في حقوقهم ويتهاونون في الدفاع عنها وينزلون طواعية عن بلاد لم تبق ذرة فيها الا امتزجت بدم آبائهم وأجدادهم في سبيل ضفر أكاليل السامية وتكوين الولاية اليهودية لهى فكرة طائشة، وقال أن غاية الدكتور مفادها أن تكون فلسطين العربية الخاصة هى هذه الولاية النكرة التي تسع جميع أبناء اسرائيل داخل ما يستبيح مما قاله أنه سوق العرب أنفسهم دعاة في سبيل السامية لخير الصهيونية التي يحاربها أسماء بزخرف القول.

وهكذا ارتبط "مؤتمر بال" بحركة فكرية امتدت وتضخمت وسيطرت على الصحف ومؤتمرات المستشرقين وأساتذة الجامعات وكتاب العالم، فقامت دعوة أخرى للجامعة السامية إلى جوار الدعوة الفرعونية والأشورية والبابلية والماركسية والشيوعية، وقد ألقى الحاخام اليهودي في مصر عدة محاضرات عن تطور اللغة العبرية حاول فيها أن يربط بينها وبين اللغة العربية مبينا مدى الدور الذي لعبه الفكر العبرى في الفكر العربي القديم وظهرت مؤلفات تعلن يقظة الفكر اليهودي منها (كتاب يقظة الفكر اليهودي: أيلى ليفى أبو عسل - ١٩٣٤ مصر).

***

[الحضارة اليهودية]

ولقد برز في هذه الفترة تيار قوى أطلق عليه اسم (الحضارة اليهودية المستقبلية) كان أساس دعوته أن الحضارة المسيحية التي تحمل لوائها أوربا هى على وشك الزوال وستقوم مكانها حضارة أخرى ستكون أكثر اهتماما بالماديات ولكن على نسق آخر، وقد صور عمر عنايت (العصور - فبراير ١٩٢٩) هذا التيار الذي انبثق عن الدور الذي قام به اليهود حين آثروا في توجيه الرأى العام إلى جهة غير الجهة التي كان يتطلع اليها. وأنهم قد استفادوا من القلق الاقتصادى الذي ينتج عن الحرب ... وقال أنه اذا بحثت كل حركة هدامة أو مجددة في الوقت الحاضر تجد أن محورها الدعاية الودية، الأمر الذي يمكننا مشاهدته متجليا في موقفين: الأول في روسيا والثانى في فلسطين.

ففى روسيا نجد الثورة تزكيها الدعوة اليهودية التي تجد المجال فسيحا لمهاجمة المسيحية حاملة علم المدنية الحالية. أما فلسطين فاليهود يريدون أن يشيدوا بها نقطة ارتكاز يوجهون منها جودهم حيث شاءوا، فكما أن روسيا ليست غير معمل البارود البلشفى الذي يعمل على نسف المدينة المسيحية، فان فلسطين ليست سوى العش الذي ستولد فيه المدنية المودية المستقبلية، ومن السهل ملاحظة التسيطر المالى اليهودي الأخذ بخناق الغالم ومحاولة العمل لانشاء مملكة داود الجديدة" ومما يتصل بهذا الاتجاه ما عرف من انتهاء سيادة أوربا بعد الحرب العالمية الأولى وانتقال هذا السلطان إلى أمريكا التي عاونت على قيام اسرائيل. وبذلك تخلفت أوربا المسيحية الغربية وسقطت تحت سلطان أمريكا التي تسيطر عليها الصهيوينة. وكان هذا التركيز هو مقدمة لاعلان الصراع (كما أعلنه الحاخام عما نوفل ايفانوفنيش - ١٩٥٤ بودابست) بين أمريكا وروسيا "حتى يضعف الخصمان وتتضعضع قواهما. ثم تتم السيطرة اليهودية على العالم. وذلك كمقدمة لتوليد جدل جديد يقوم على تزاوج البيض والسود لانشاء شعب من الجنس الأسود ونشر العقيدة الاسرائيلية في جميع أنحاء العالم - وقد بلغ عدد الصحف الصهيونية التي تصدر في العالم وتوجه الرأى العام ٨٩٩ يصدر منها في الولايات المتحدة وحدها ٢٢٤ صحيفة.

وهكذا كان الفكر الصهيونى الجديد في مقوماته هادفا إلى الصراع مع المسيحية الغربية ومع الإسلام والفكر العربي الإسلامي في أدق خصائصه ومقوماته.

<<  <   >  >>