كانت الدعوة إلى "المصرية" تحمل هدف اقامة أدب محلى. وفن فرعونى. واحياء التاريخ المصري القديم في حلقاته الثلاث: الفرعونية والقبطية والرومانية واعتبار العرب غزاة كالفرس والترك والانجليز. والعمل على تمصير كل شئ: اللغة والفكر والتاريخ. وقد ارتبطت الدعوة إلى المصرية بالعودة إلى الماضى الفرعونى وقدمت في سبيل ذلك أبحاث أخرى لمحاولة اثبات أن المصريين ليسوا من العرب ولا من الشرق ولكنهم من دول البحر الأبيض يرتبطون مع الغرب مع أوربا في العقلية والثقافة وتركيب الجمجمة والقشرة، وكان الدكتور محمد شرف قد أذاع أن المصريين أمة غير شرقية وأن جماجم المصريين تشبه الشعوب التي عاشت حول حوض البحر الأبيض في جنوب أوربا ولا علاقة لهم بآسيا أصلا. وقال أنه من البحث في الدم يتضح أن المصريين هم من الطراز الأدرى من ٢ إلى ٤ وليسوا من الطراز الآسيوى.
ويمكن القول أن مصر الحديثة هى نفسها من سلالة مصر القديمة وأن الفحص عن الدم اثبت أنها غير أفريقية وغير آسيوية وانما أوربية وردد سلامة موسى آراء اليوت سمث التي أذاعها في كتابه المصريون القدماء.
The Aneieut Egypt imas
بما يفيد المشابهة بين المصريين وسلالة البحر المتوسط والتي تقول بأن شعوب البحر المتوسط من جهاته الأربع تنتهي إلى أصل واحد وأن قدماء المصريين وقدماء الانجليز يرجعون إلى سلالة واحدة. كما أن هناك كلمات فرعونية تتفق لفظا ومعنا مع الكلمات الانجليزية الحديثة .. وأنه ليس هناك فرقا بيننا وبين الأوربيين في السلالة والدم. وأنه لذلك ليس بيننا وبين الأوربيين خصومة فنحن وهم ننتمى إلى أصل واحد ونتفق في المزاج النفسى والذهنى ونختلف قليلا في الأخلاق لاختلاف الأحوال الاقتصادية وليس هناك فرق الا أننا نعيش حضارة زراعية وهم يعيشون حضارة صناعية.
وليس معنى هذا القول اذا تظرنا اليه نظرة مجردة- الا أنه دعوة لنا إلى قبول الاستعمار البريطانى والتغريب والغزو الثقافي والانفصال عن الأمة العربية والإسلام والشرق، باعتبارنا جزء من أوربا وبيننا وبين بريطانيا نسب قديم وهو معنى استعمارى ودعوة إلى قتل روح النضال الفكرى والمقاومة السياسية.
واذا كانت الدعوة إلى "المصرية" الضيقة هي في حقيقتها دعوة تغريبية فانها قد حققت بعض جوانب اليقظة للفكر العربي الإسلامي اذ خلقت الدعوة إلى الاستقلال عن الفكر الغربي وعدم نقله آليا أو سيطرته على ثقافتنا. فقد ظهرت صيحات تطالب بأن علينا أن نمصر الفن والأدب فلا نقتبسه من الأدب والفن الأجنبيين أو اعطائه روحا ايطالية أو فرنسية فان ذلك يمسخه مسخا على حد تعبير عبد الله حسين (الأهرام ١٦/ ٥/١٩٢٣).
فهو يرى أننا نقتبس من البلاد الأوربية علومها الحديثة واختراعاتها وسياراتها وقاطراتها واقتصادها، ولكننا يجب ألا نواصل الامعان في اقتباس الفن الأوربى وجعل النهضة الفنية في مصر قائمة على رقاقية أجنبية .. ذلك أن الفن كالشعير والأدب والعادات من مشخصات القومية فاذا جعل الفن أجنبيا آذينا قوميتنا وحكمنا على فننا بالعقم واستحال علينا النهوض، ١ هـ.
كما أن الدعوة إلى القومية المصرية بالرغم من خضوعها للغزو الثقافي الغربي قد أعانت على تحقيق وحدة عنصرى مصر بما أعان على مقاومة خطة الاستعمار بالتفريق بينهما، غير أن الدعوة إلى المصرية بالرغم من- الأفلام المتعددة القوية ذات النفوذ وواضحة الكثرى التي كانت تظهرها- لم تستطع أن تقدم مخططا واضحا لها ينفصل انفصالا تاما عن الوحدة العربية، ذلك لأن عناصر الفكر العربي كلها كانت عميقة التغلغل في أى دعوة قومية مهما كانت ضيقة وجزئية، وأن الفصل بين الدعوة المصرية وبين الوحدة العربية أو الفكر العربي أو اللغة العربية أو التاريخ العربي كان أمر ميئوسا منه، وأن محاولة الارتباط بتراث فرعونى كان مستحيلا. وأن لم يكتب لها أى نجاح فضلا عن ذلك الهجوم العنيف الذي بقيته الدعوة ودعاتها من مثقفى الوجود العربي على أساس من العلم لا العاطفة.
وقد كان من أبلغ المتناقضات أن دعاة التغريب كانوا في الوقت الذي ينكرون على المصريين الارتباط بالتراث العربي وهو الماضى القريب الحى المتصل بحاضرنا باللغة والدين والتاريخ، يدعونهم إلى الارتباط بماض أفسد اينالا في القدم بتعد عنا خمسة آلاف سنة وليس له قيم ولا تراث ولا ثقافة وقد انقطعت رابطته وزالت بعد ظهور الإسلام وتعيرب مصر.