-٢ -
لقيت حركة اصلاح الأزهر التي قام بها المراغى عنه هجوما عنيفا من جهة الاستعمار والتغريب وحوربت وهوجم أسلوب الأزهر في التدريس باللغة العربية حتى قال الدكتور أمير بقطر في مؤتمر التعليم الذي عقد في جنيف عام ١٩٢٩ أن الأزهر خلق في طاقة معينة من السكان عقلية خاصة تتصادم مع مبادئ القرن العشرين ومثله العليا فقد أسدلت حجابا كثيفا وأقامت حائلا منيعا بين ما نسميه العقلية الأزهرية وعقلية سائر الشعب المصرى، عقلية لا تتفق الا مع العصور القديمة الفطرية".
وقال الدكتور رول جوست عميد كلية الآداب الثقافي الأمريكية " ان أثر لعربية كما تراها في الأزهر لا يتفق مع التقدم الحديث في ميدان التربية ونخشى أن الاصلاح الحديث في الأزهر لم يكن الا من قبل العناية بالسطح دون العمق فأدخل الأدوات والأجهزة وانشاء الأقسام لا تجدى نفعا طالما كان النظام ذاته مطبوعا بطابع القرون الوسطى".
والواقع أن ما تنبأ به دعاة الغزو الثقافي لم يكن صحيحا وأن الأزهر حقق بعد اصلاحه نتائج باهرة وشارك مشاركة فعالة في الثقافة العربية الحديثة.
ولم يتوقف الغزو الثقافي المتصل ضد الأزهر في سبيل الغاية التي رسمها الاستعمار للقضاء عليه. وذلك بانشاء عديد من المدارس والكليات والجامعات والمعاهد التي حملت لواء تمزيق جبهة الثقافة العربية وتعديد جوانبها واتجاهاتها، وبذلك حقق الاستعمار هذفه في القضاء على هذه الثقافة العربية، ويرجع هذا أصلا إلى خطأ محمد على في فصل التعليم عن الأزهر دون تطوير الأزهر نفسه لتحقيق هدف التعليم العام المدنى.
***
[مهمة الأزهر]
كانت الدعوة إلى اصلاح الأزهر فما بين عام ١٩٢٩ الذي بدأت فيه بمذكرة المراغى إلى عام ١٩٣٥ حيث عاد المراغى إلى الأزهر فرصة واسعة لدراسات ومراجعات متعددة عن مهمة الأزهر ودوره في الحياة الفكرية العربية والإسلامية.
وقد تحدث الكثيرون من الباحثين عن مهمة الأزهر في العصر الحديث ومن رأى محمود الشرقاوى (٢ مارس ١٩٣٦) أن مهمة الأزهر ليست تخريج واعظين للشعب ومعلمين في مدارس الحكومة وحفظة للقرآن أو عرفاء في الكتاتيب وانما مهمته تخريج صنوف من الرجال لهم أعمال ولهم مطامع وآمال وبين جفونهم وفي رؤسهم قلوب وعقول أبهى نورا.
وأن أول مهمة للأزهر مسايرة العصر وما فيه من التيارات المختلفة للذهن والحضارة والتفكير. وليس معنى هذا متابعة العبيد بل نزع خلق الانكفاء والجبن العقلى والخوف من الدنيا والانزواء من الرأى والصد عن كل جديد والخروج من هذا الخلق السلبى إلى روح ايجابى مقبل على الايام والأحداث مشرف على سير الناس والحضارة مرتقب لكل جديد من الفكر.
وكان من رأى الشيخ محمود شلتوت أن يقوم اصلاح الأزهر على أساس التخلص من روح المناقشات اللفظية والتقديس للآراء والافهام التي دونها السابقون السمو بها عن مستوى النقد وكذلك التخلص من روح الاشتغال بالفروض والاجتماعات العقلية واختراع الحيل التي يتخلص بها من الحكم الشرعى. وكذلك التخلص من روح التعصب المذهبى الشديد.
-٤ -
وقد حقق الأزهر وجوده باشتراكه في عديد من المؤتمرات العالمية كمؤتمر جامعة غرناطة (ديسمبر عام ١٩٣٢).