للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجوهر الدين وقد أشار "جب" في تقرير له إلى أن الشرق وصل إلى نتيجة حاسمة هى اتخاذ سبيل المدرسة الوسطى التي تجمع خير ما في ثقافة الغرب إلى تراثها العربي المجدد قال " لقد أخذ جميع المسلمين المتنورين يسلكون سبيلا وسطا فأخذوا خير ما في الشرق وخير ما في الغرب. وأن الذكريات التاريخية والاعتزاز المشترك بالماضى سيظل لهما المكان الأعلى ولن يستطيع العرب أن يقطعوا صلتهم بالماضى كما قطعها الأتراك لما كان الإسلام جرءا لا يتجزأ من الماضى فليس في وسع المثل العربي الأعلى أن يتجرد منه تجردا تاما.

***

[الامتيازات واستعارة النظم]

هل ترك الغرب للعالم العربي حريته في الاقتباس او النقل من الحضارة؟ الواقع أنه لم يفعل, وأنه فرض نظمه القانونية والسياسية والاجتماعية وكانت الامتيازات الاجنبية عاملا هاما في هذا المجال.

ذلك أن الغرب حين امتد نفوذه إلى الوطن العربي عن طريق قناصله وارسالياته ثم عن طريق الاحتلال لم يتوقف امام تحطيم الانظمة ذات اللون الإسلامي القائم في العالم العربي بل حطمها واحل بدلا منها أنظمة جديدة منقولة من القوانين الاوربية. وكان ذلك في مجال القضاء والتشريع والحكم, كما فصل الاستعمار بين الإسلام والسياسية.

والقانون المدنى الاوربى يستبقى من منبعين أحداهما رومانى والآخر مسيحى وكان إسماعيل أول من سمح بترجمة القوانين الفرنسية وجعلها أساسا لقوانين الدولة دون اشراك التشريع الإسلامي في موادها.

كما عمد مصطفى كمال في تركيا بعد الثورة التركية إلى أقصاء التشريع الإسلامي كلية, والعمل بقانون سويسرة المدنى وقانون الجزاء الايطالى.

وقال: ان التشريع والقضاء في أمة عصرية يجب ان يكونا عصريين مطابقين لأحوال الزمان لا للمبادئ والتقاليد.

وقد كان واضحا أن عمل كلا من إسماعيل باشا في مصر ومصطفى كمال في تركيا ليس جريا حرا مع طبيعة التطور, وانما كان مفروضا بنفوذ الغرب الفكرى والسياسى. اذ أن هذه القوانين كانت بعيدة عن العقلية العربية أو الإسلامية وعن الذوق والنزع والشرب. . ولم يكن فيها ما يتفق مع الزمان, والمكان. خاصة اذا عرف أنها نقلت. دون تعديل أو تنسيق مع أحوال البلاد وفروق الزمن والبيئة.

وقد عزل التشريع الإسلامي عزلا تاما في هذه المرحلة مع سعة مذاهبه ويسره واجازته العمل بالصالح المرسلة, وقد اتخذ خصوم الإسلام من جمود بعض فقهاء العالم العربي الإسلامي حجة على جمود الشريعة.

وفى ابان وضح الدستور المصري وبعد تشكيل لجنة الدستور (١١ ابريل ١٩٢٢) جرت أبحاث متعددة في الصحف عن موقف اللجنة من التشريع الإسلامي, وقد أخذت مواده من الدساتير الأوربية. ولم يرد فيه أى نص من الإسلام سوى العبارة التي تنص على أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام.

ويتصل بهذا سيطرة الامتيازات الأجنبية على الحياة الفكرية والاجتماعية المصرية, وحيلواتها دون اتخاذ السبيل الحر في معاملاتها او تشريعها أو احكامها وقد زاد في وطأة الامتيازات بمصر انشاء المحاكم المختلطة في عهد إسماعيل وظلت الامتيازات الاجنبية عقبة في سبيل الاصلاح.

ويمكن القول بان الامتيازات الاجنبية كانت ركيزة استعمارية بعيدة المدى, في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة والفكر.

<<  <   >  >>