التيار السياسى في الفكر العربي الإسلامي المعاصر: هو تيار الوطنية القومية الذي حمل لواء مقاومة الاستعمار والتدخل الأجنبى والاستبداد في الحكم واتوقراطية الملوك والأمراء، وخلق الرأى العالم في البلاد العربية، وقد نشأن عن تطور العاطفة الدينية التي كانت تحمل نفس الاتجاه كانت العاطفة الدينية هى أبرز دوافع الجهاد الذي قامت به مصر ازاء الحملة الفرنسية التي هى أول صدام بين الشرق والغرب، وكانت المقاومة الشعبية قد تكونت قبل ذلك بتوقيع وثيقة " حرية الشعب " التي وقعها حكام مصر عن طريق مشاريخ الأزهر والعلماء (١٧٩٥) ثم تضخمت هذه المقاومة عندما حمل عمر مكرم البيرق النبوى ونزل به من القلعة واندفعت وراءه الجموع إلى بولاق لحفر الخنادق لمقاومة الفرنسيين، وقد كانت هذه المقاومة التي تعد صفحة فخار في النضال من أجل الحفاظ على كيان الوطن، مثلا العاطفة الدينية التي تعتبر الدفاع عن الوطن دفاعا عن العرض والدين وقد بلغت هذه العاطفة قمتها في معركة خلع خورشيد عندما أعلن عمر مكرم " أن أولياء الأمر هم أصحاب الشريعة وأن الشعوب كان لها الحق في عزل الحاكم اذا ظلم أو خان واجبه لامته ".
وقد تطورت هذه العاطفة الدينية إلى عاطفة سياسية قومية قوامها " الوطنية " وقد بدأ هذا عندما تحدث رفاعة الطهطاوى عن ذلك بعد عودته من أوربا ١٨٣١.
وظل الكفاح الوطنى يحمل مفهوم العاطفة الدينية إلى وقت طويل، حيث تمثل في جهاد السنوسين في ليبيا والمهدويين في السودان.
والمعتقد أن رفاعة الطهطاوى هو أول من كتب عن مباحث الدستور والحكم النيابى والرأى العام في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وأحل المجلس الذي أنشاه نابليون ١٧٩٨ في مصر هو أول صورة للمجالس النيابية في العالم العربي. وكان مجلس الشورى
التونسى في عهد الباى محمد على باشا أول مجلس شورى في العالم العربي (١٨٦٠) وقد تبعه مجلس شورى النواب في مصر (١٨٦٦) في عهد إسماعيل. ثم انشء مجلس المبعوثان في تركيا ١٧٨٦ بعد صدور الدستور العثمانى الأول ١٨٧٦ ثم أعد الدستور المصري عام ١٨٧٩ وصدر عام ١٨٨٢.
وهكذا بدأ التيار السياسى في الفكر العربي الإسلامي يأخذ صورته الاستهلالية وكانت تونس وتركيا ومصر تمثل المرحلة الأولى في تكوين الرأى العام وبدء الحياة النيابية والدستور ومقاومة التدخل الأجنبى، وكان معنى هذا الاتجاه مقاومة استبداد الملوك والامراء، وخلق الرأى العام وايقاظ الوعى السياسى في العالم العربي.
ومما يذكر أن هذه الدساتير والمجالس النيابية أم تستثمر ولم تحقق الهدف منها فقد كانت أما خدعة، أو رغبة من الملك والأمير لتغطية موقفه في نظر التدخل الأجنبى كما فعل إسماعيل، أو ارضاء للشعب في الوقت الذي كان فىه الباى والخيدو والسلطان، يكرهون الحكم النيابى ويؤمنون بالاستبداد والاتوقراطية في الحكم ولم يكن للشعب في هذه الفترة القدرة على المطالبة بهذا الحق، أو ممارسته، اذا أعطى له.
***
[١ - تونس خير الدين التونسى ١٨٦٠]
أ- كانت تونس في ظل حكم البابات أشبه بمصر في ظل حكم الخديويين من أسرة محمد على وقد اتجه إلى تونس في هذه الفترة ١٨٦٠ بعد احتلال الجزائر الضغط الفرنسي لتقوم الدولة على أساس اقتباس نظم