وقد عمد الانجليز إلى احلال لغتهم وثقافتهم محل اللغة الثقافة الفرنسية تدريجيا وخاصة في المعاهد والمدارس العليا التي كان الفرنسيون يسيطرون عليها مثل مدرسة الحقوق وأخرج الأساتذة الفرنسيون من الوظائف والمراكز المختلفة وأحتل الأساتذة الانجليز بدلا منهم وقد استبدلت اللغة الانجليزية في جميع المدارس باللغة الفرنسية واعتبرت اللغة الانجليزية لغة أصلية والفرنسية أضافية.
وهاجم كرومر أسلوب التعليم الفرنسي وقال أن أساتذة مدرسة (الحقوق) لا يلامون على ما يرى في التلاميذ من قلة ما يميزهم بعضهم عن بعض لأنه ليس في أسلوب التعليم الفرنسي ما يدعو إلى هذا الامتياز ودعا إلى أفضلية الأسلوب الانجليزى لأنه يجعل التليمذ يعتمد على نفسه.
وقد حاولت جبهة الثقافة الفرنسية في مصر أن تدافع عن التعليم باللغة الفرنسية، وبررت ذلك بأن اللغة الفرنسية هى لغة التجارة والجمعيات العلمية والصالونات والسهرات والتداول بين الأجانب أنفسهم، وهى لذلك أوسع انتشارا في هذه البلاد من اللغة الانجليزية وأن جميع الشركات بلا استثناء تستعمل اللغة الفرنسية، حتى الشركات الانجليزية في مصر فمن كتب خطابا باللغة العربية إلى بنك الأنجلو أو إلى غيره يأتيه الرد بالفرنسية لا بالانجليزية ولا بالعربية أما صحافتهم في مصر فلا تطبع بالانجليزية الا جريدتان هم (الايجيبشيان غازيت) والايجيبشيان ميل والأولى لا يقرأها الا الانجليز، وفي مصر خمس جرائد فرنسية مهمة غير المجلات وهى اللبمتية -الريفورم -الجنرال دى كير -البورص -ألايكو.
ثم أن الحركة العلمية في مصر تجرى كلها باللغة الفرنسية فمعظم المحاضرات التي تلقى في الجمعية الملكية للاقتصاد والاحصاء والتشريع تلقى باللغة الفرنسية، والجامعة المصرية يلقى فيها بعض محاضرات بالفرنسية ولا يلقى فيها شئ باللغة الانجليزية (الأهرام ١١ / أكتوبر عام ١٩٢٣).
وبينما كانت انجلتر تحارب الثقافة الفرنسية كان القصر والحكام الأتراك يؤيدون الثقافة الفرنسية، المعروف أن صراع اللغتين الفرنسية والانجليزية في مصر انما كان على حساب اللغة العربية.
***
[بعد الاستقلال]
عندما صدر تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ كان ذلك ايذانا بانتهاء السيطرة البريطانية على مختلف الشئون وبدأ عهد جديد هو عهد الاستقلال، وقد تركت بريطانيا ظاهريا سيطرتها على التعليم وتخلى المستشارون الانجليز عن مناصبهم ولكن هل انتهى نفوذهم بـ
لقد كان الأمر كله مجرب اختفاء من فوق المسرح السياسى واخراج المسرحية من وراء الكواليس، فهم قد اختفوا فعلا خلف المصريين من عملائهم وبقى نفوذ دنلوب في وزارة المعارف قائما واستمرت الخطة التعليمية كما هى تستهد تخريج موظفين فقط وظل القائمون بأمر التعليم في وزارة المعارف ممن رباهم دنلوب هم أصحاب الرأى الأعلى. وجد فريق جديد من المؤمنين بمذهب "ديوى" الذي ينص صراحة على أقصاء الدين من المناهج الدراسية وقد ظهر دعاة لأسلوب التربية الانجليز أمثال عطية الابراشى صاحب مقالات التعليم في انجلترا -الأهرام، مارس ١٩٣١) والدكتور مأمون عبد السلام (التعليم في لندن -الأهرام فبراير ١٩٢٣) وحافظ عفيفى صاحب كتاب الانجليز في بلادهم.
***
[معركة المقاومة]
وقد قاوم الفكر الإسلامي اتجاه التعليم كما رسمه الاستعمار منذ اليوم الأول ولم يستسلم له أو يقبله، وظل يصارع الانحراف التغريبى ممثلا في كرومر ودنلوب وسعد زغلول وغيرهم في معركة طويلة ممتدة.