هذا البحث يعد حجرا أساسيا من أحجار (بناء منهج دراسة التغريب والغزو الثقافي) لانه يمثل دراسة دقيقة مستفىضة لحركة الفكر العربي الإسلامي وهو العمل الذي شغلت به نفسى منذ أربعين عاما تقريبا (١٩٤٨ - ١٩٨٨) حيث كتبت أولى مقالات عن قضية التغريب لأنه يمثل دراسة دقيقة مستفىضة لحركة الفكر العربي الإسلامي (عربي اللغة إسلامي المضمون) خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى التي انتهت عام ١٩١٨ والثانية التي بدأت عام ١٩٣٩ وقد توفرت على دراسة هذه المرحلة بالتفصيل يوما بعد يوم من خلال جريدة الأهرام في الأساس وأنا متنبه للونها المارونى الفرنسي في هذه الفترة بالاضافة إلى المجلات الأسبوعية والشهرية خلال هذه الفترة والتي تناولت بالبحث مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكشفت عن الدور الذي قامت به حركة اليقظة الإسلامية في مواجهة الاحداث من خلال صحف متواضعة جاهدة ولكنها لم تتوقف عن الرد على كل الشبهات وحض السموم والكشف عن الزيف الذي كانت توجهه أقلام لامعة من خلال صحف واسمه الانتشار. كتبت هذا عام ١٩٦١ (بعد أن انتهيت من دراسة معالم الأدبى العربي المعاصر الذي كان يكتب لأول مرة عن منطق وحدته من المغرب إلى العراق، وقد وجدت أننى لابد أن أوسع دائرة دراستى فلا أتوقف عند المعملين اللذين شغلت بهما في هذه الفترة وهما الأدب العربي وتراجم الأعلام، فقد انتقلت من الفرع إلى الاصل بمفهوم ان الأدب والتراجم هى قطاع من الفكر الإسلامي وكان على أن أستوعب العمل كله وكنت من قبل أعمل في دائرة الدعوة الإسلامية، وعندما فرضت ظاهرة القوميات انتفعت بها انتفاعا واسع النطاق في دراسة الإسلام بوصفه ثقافة وتاريخ وركزت تركيزا شديدا على محاولات الاستشراق والتبشير في تزييف مفهوم الإسلام، وكان مفهومى للعروبة سليما وصحيحا بوصفها حقلة من حلقات العقد الجامع ومنطلقا للوصل بها إلى الوحدة الإسلامية الجامعة، كتبت هذا في أشد أوقات استعلاء لمبدأ القوميات بالكشف عن أصالة الإسلام في التعليم والشريعة والثقافة والصحافة. ولذلك فأنا حين أعود اليها اليوم ١٩٨٨ وبعد ربع قرن تقريبا أجد أن هناك بعض القضايا وقد اكتشفت فىها جوانب جديدة فكان على أن أصحح موقفى منها دون أن يؤثر ذلك على منطلق فهمي الصحيح ومنهجي في الاساس القائم على الايمان بالأصولية الإسلامية والعمل على مواجهة التحديات التي ساقها التبشير والتغريب والغزو الفكرى ومن هنا فقد أثرت أن أجرد البحث من ذلك الأخطاء التي لم تكن قد تكتشفت لى في أول الشوط وخاصة وأن مذكرات هرتزل التي كشفت الغطاء عن مؤامرة الصهيونية ضد السلطان عبدالحميد والدولة العثمانية قد ظهرت بعد ظهور كتابى هذا تحت اسم (الفكر