للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصري من السودان ثم استعادته بقيادة كتشنر وقضى على المعارضة الفرنسية للاحتلال بتوقيع اتفاق ١٩٠٤ وبقاء قواعد اتفاقية ١٨٩٠ مع مصر وبها سيطر الانجليز على السودان كله وفرض على كل وزارة مستشارا انجليزيا يملى على الوزير، وفي وزارة الداخلية مفتشون يسيطرون على المديرين وهو صاحب سياسة التفرقة والوقيعة بين المسلمين والأقباط وتقسيم الأمة إلى أحزاب وشيع، والتفرقة بين مصر والسودان.

وهو صاحب الدعوة إلى نظام رأسه انجليزية ويديه مصرية. وهو صانع زعماء حزب أمة، ومن الحكام أمثال مصطفى فهمى الذي وصفه بالشجاعة الأدبية والاعتدال. وصهره سعد زغلول وهو القائل بأن الاستعمار البريطانى يبقى في مصر إلى الأبد.

وقد سيطر كرومر على القضاء فبعد أن كان القانون يحمى الفرد من بطش أية سلطة اذا نشر آراءه السياسية أصدر قانونا أصبح به القضاة الابتدائيون تحت نفوذه في محكمة الاستئناف وحولها إلى القضاه الابتدائيون بعد السلطة الادارية، ثم نزع الاختصاص من قضايا الجنح بعد أن نزع استقالهه. ونزعت سلطة القبض والتحقيق والاتهام من القضاء وتقررت للنيابة ١٨٦٥ وبذلك أصبح المواطن خاضعا للقبض عليه والتحقيق ضده واتهامه والحكم عليه بواسطة قضاة كلهم خاضعون للسلطة الادارية تحت اشراف الانجليز.

وقد صور كرومر أثره في مصر (١٨٩٢) فقال: من يقارن الحالة الحاضرة بالحالة التي كانت عليها مصر منذ عشر سنوات يجد فرقا شاسعا، فالشوارع التي كانت مكتظة بدكاكين مملوءة بالبضائع الأوروبية والآن أقول أن كل شيء في مصر يدخل في امتياز ممنوح لاحدى الشركات الأوروبية ومصر الآن تزرع القطن وبريطانيا تصنعه.

وكان أبرز أعمال كرومر نظام وظائف المستشارين الانجليز وهو النظام الذي وضعه على أساس قاعدة رءوس انجليزية وأيد مصرية. فقد وضع في كل وزارة مستشار، وهو اسم مبهم يفهم منه أن هذا الموظف الأجنبى سيكون رأيه استشاريا بينما كان في الواقع هو كل شيء ولم يكن يستطيع أى وزير أن يقضى في أمر اذا لم يكن قد حظى بتوقيع المستشار وقبوله. وبذلك سيطر كرومر بواسطة جهازه هذا على جميع تصرفات الحكم. وقد بسط هؤلاء المستشارين النفوذ الانجليزى بجميع الوسائل وأهمها الاكثار من الموظفين الانجليز وباحلال انجليزى محل كل موظف أجنبى فرنسيا أو ألمانيا.

وقد طاردوا كثيرا من رجال التعليم الفرنسيين بقصد صبغ جميع فروع التعليم بالصبغة الانجليزية. وجعل القوانين المصرية ولاسيما القانون الجنائى انجليزيا وجعل المرافعات باللغة الانجليزية بقصد القضاء على اللغة العربية والمظهر القومي ...

وقد كان الوزراء يخضعون خضوعا تاما لتعليمات المستشارين، وكانت كل قرارات العقوبات والغرامات تنفذ بواسطة الموظفين المصريين ثم يكون رفع هذه المظالم بواسطة كرومر ورجاله، وذلك حتى يقع في أذهان الناس أن الاستعمار عادل وأن أبناء الوطن هم الظالمين وقد تمسك لورد ملنر في مفاوضاته الأولى مع سعد زغلول ببقاء المستشار القضائى ولو باسم آخر على أن يكون له حق الدخول على وزير الحقانية ويؤخذ رأيه في كل ما يتعلق بالتشريعات التي تطبق على الأجانب وكذلك المستشار المالي.

وكان "دنلوب" مستشار كرومر في وزارة المعارف من أقسى هؤلاء المستشارين وأشدهم حرصا على هدم اللغة العربية ومحاربة الأزهر ومقاومة التاريخ الوطني.

***

[٣ - المعتمدون غير الرسميون]

وكان الاستعمار في الوطن العربي معتمدون غير رسميين، وكان هؤلاء أشد خطرا من معتمديه الرسميين نظرا لأنهم كانوا يتغلغلون في الوطنين ويحاولون خداعهم بأنهم أصدقاء للعرب يؤمنون بحقهم في الحرية، من هؤلاء فيلبى ولورنس وبلنت وقد عمل فيلبى مع الهاشميين أولا ثم عمل مع السعوديين. أما بلنت فهو صاحب الوساطة في تخفيف الحكم على عرابى من الاعدام إلى النفى واستخدام المحامين الانجليز للدفاع عنه وصديق الشيخ محمد عبده.

أما لورنس فان قصته غاية في الاثارة. فهو البريطانى الذي وصف بأنه ملك العرب غير المتوج والذى كان له دوره الخطير في الثورة العربية التي أعلنها العرب بقيادة الشريف حسين ١٩١٦ وقد أرسله الانجليز ليعاون فيصل في الحرب مع الأتراك وقد شهد معه المعارك التى

<<  <   >  >>