للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصمعى أو الخليل". هكذا جنت المدارس الأجنبية على اجيال متتالية خرجت منحرفة عن ايمانها بوطنها وتراثها وثقافتها وعقائدهها، حيث تلقوا دروسها على أجانب لا بصر لهم بعلوم العربية ولا علم لهم بمصادرها ولا قدرة لهم على فهمها".

وكانت هذه المدارس هى أعلى مظاهر الاستعمار الثقافي.

وقد شهد مستر (جب) المستشرق الانجليزى المعروف بهذا الخطر حين قال "فى أواخر القرن التاسع عشر نفذت الخطة إلى أبعد من ذلك بانهاء التعليم العلمانى تحت الاشراف الانجليزى في مصر والهند. ولعل نصيبنا من الحق في التهمة التي ترمى بها المدارس الأجنبية من أنها مفسدة لقومية التلاميذ. فقد ربت في التلاميذ خروجا على الأنظمة الاجتماعية" ..

وقل سير (بانيكار) في كتابه مشكلات الدول الآسيوية والأفريقية "وأن هذه المؤسسات أصبحت موضع ريبة وشك، حتى الجامعة الأمريكية التي بقيت مدة طويلة تعتبر مركز النهضة القومية نالت قسطها من النقد من قبل الوطنية، ذلك أن القسم الأكبر من الجهود التربوية يقوم به مبشرون من رجال الدين، وكان من الطبيعى أن يسيطر جو دينى على الكليات مما يضفى عليها صبغة مسيحية وأن هذا له أثره في ازعاج الأكثرية وأنه لم يكن محاولة لتغليب اللغة ولكن لتغليب الدين أيضا وأن من معايب النظم التربوية الحديثة فقدان المثل الاجتماعية العليا والتوجيه السليم، ولم يكن من مصلحة الاستعمار أن تروج تربية حيوية تدعو إلى الانطلاق كان يراد التقليل من قيمة الثقافة الوطنية وتمجيد فضائل السيد الأجنبى وابراز أهداف التربية الاستعمارية واثارة الروح الانهزامية في نفوس المواطنين لتتمكن من التحكم بهم وبخبراتهم دون عناء كبير".

وقال فولتين شيرول في كتابه

أنه مهما يكن الأساس الذي نقيم عليه حكمنا على نظام التعليم الذي أعد لناشئه المصريين تحت الحكم البريطانى فانه لم يستهدف البته تحرير البلاد، ولا شك أنه أعظم اخناق لنا. فبعد انصرام ما يقرب من أربعة عقود من السنين ما تزال الأمية تعم ٩٢% من الذكور و ٩٩ في المائة من الاناث بين سكان القطر العربي وقالت الدكتورة علاء عز الدين (العالم العربي ص ١٧٠) أن التعليم في مصر كان متجافيا مع طبيعة الشعب وبيئته فكان تلقيته بلغة أجنبية وكان يتجه اتجاها نظريا صرفادون الالتفات إلى حاجات الشعب.

وقال الدكتور حافظ عفيفى في كتابه "على هامش السياسة" أن كثرة المدارس الأجنبية قاومت كل حركة ترمى إلى مصيرها، كما أهملت اهمالا شنيعا أمر تعليم تلاميذها لغة البلاد وتاريخها وثقافتها واهتمت بتعليم لغة البلاد التي تنتمى اليها وحدها.

***

[المدارس الأجنبية]

كما حرص الاستعمار على انشاء معاهد وكليات انجليزية صرفه خصها بجانب كبير من عنايته واعتبر خريجيها هم الحكام الجدد في العالم العربي، في مقدمة هذه الكليات: كلية فكتوريا التي خرجت أمين عثمان والأمير عبد الاله وتاريخهما معروف وتكشف كلمة اللورد لويد في احتفال كليه فكتوريا السنوى بالاسكندرية ١٩٢٦ الصورة الكاملة لهذه الكلية وهدفها (المقتطف ص ٥٣٠ مايو ١٩٢٦) "قد يهمكم أن تعلموا أن أبناء الكلية السابقين ثمانية أجناس أو ٩ أجناس مختلفة، وأن من الطلبة الآن ٣٠ في المائة مصريون و ٢٠ في المائة سكسون. ومنهم يونان ويهود وايطاليون وأرمن وسوريون وأحباش وغيرهم .. كل هؤلاء لا يمضى عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا "بوجهة النظر" البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ فيكونوا قادرين على أن يفهموا أساليبنا ويعطفوا علينا .. وأود كثيرا أن أشعر بأن كلية فيكتوريا تنجب نفرا من نخبة الموظفين والمعلمين والتجار. هذه الكلية تنمى فيهم الشعور الانجليزى ما يكون كافيا لجعلهم صلة للتفاهم بين الشرق والغرب وأن كل هذه المشاكل التي بين (بريطانيا ومصر) تحل اذا تعلم كل من الانجليز والمصريين أن بنظر إلى رأى الفريق الآخر نظرا مقرونا بالفهم والعطف".

***

[مفهوم التعليم]

ولا شك أن مناهج التعليم في ظل الاحتلال كانت خالية من كل ما يقوى الروح الوطنى أو يشجع التفكير الصحيح. وكان التعليم لا طابع له من القومية يدل على

<<  <   >  >>