للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-٢ -

حملات التجزئة

كانت حملات تجزئة الكيان من أقوى حملات الغزو الفكرى والثقافي والسياسى التي شنها الاستعمار على الوطن العربي والفكر العربي والإسلامي خلال هذه الفترة كجزء مكمل لحلات التغريب والتبعية الثقافية. كان الهدف هو تقطيع أوصال الأمة إلى دول لها حدود ونظم وقوانين وعملات ومناهج تعليمية مختلفة وصحف، مع إيقاد نيران الصراع بين هذه الأجزاء وبين ملوكها وأمرائها وحكامها، ثم "تجزئة التجزئة" وذلك بتقسيم القطر الواحد إلى أحزاب وعنصريات واثارة عصبياتها لقديمة وخلافاتها الدينية والجنسية والفكرية وخلق قوة شعوبية يؤيدها الاستعمار تعمل على مهاجمة القيم والتراث والآراء والعقائد المتعارف عليها وتحطيمها والنيل منها وذلك توسيعا لشقة الصراع وعملا على دعم سياسة التمزيق وتعميق جذور التجزئة.

[(الشعوبية)]

وقد تركزت في الشعوبية كل دعوات "التمزيق" و"التجزئة" واثارة القوميات الضيقة، ولما كانت "الأمة الوجود العربي" قبل النفوذ الغربي والاحتلال والغزو الثقافي موحدا: ثقافة وأرضا، فقد حرص الاستعمار أن يثبت أقدامه عن طريق تمزيق هذه الوحدة في دول وجزئيات وتيارات، واتخذ دعوة "الشعوبية" ركيزة لتثبيت هذه التجزئة، والشعوبيون هم خصوم وحدة الأمة العرب وهم دعاة كل ما من شأنه أن يحول دون عودتها إلى الوحدة مرة أخرى وذلك بخلق قوميات ضيقة، واتخاذ سلاح الغزو الثقافي وسيلة إلى تفتيت وحدة العرب، كالفينيقية والفرعونية والبربرية وخلق دعوات جديدة كدعوة البحر المتوسط والكيان المصري والكيان السورى والكيان اللبنانى والكيان السودانى.

وقد اتخذ الشعوبيون عديدا من الصور على هيئة كتاب وأحزاب وهيئات وصحف وحملوا لواء هذه الدعوات بقصد التفريق بين العرب والبربر في المغرب والسوريين واللبنانيين في المشرق والموارنة والدروز في لبنان والمسلمين والمسيحيين في مصر والسنة والشيعة في سوريا والعراق والعرب والأكراد في العراق.

وحملت هذه الدعوات لواء التبشير عن طريق البحث العلمى القائم على المغالطات واتخاذ الصحافة والكتابة ودور النشر وبعض الاذاعات وسلطان الحاكمين وسيلة لنشر هذه الآراء والدفاع عن هذه النظريات المضللة.

وقد كان حصاد هذه النظريات الشعوبية، ما أذيع من أن اللبنانيين ليسوا عربا وأن أصلهم فرنسي والدعوة بأن سوريا أمة تامة، هذه الدعوة التي حمل لواءها أنطوان سعادة، وأن العلويين بقية من الصليبيين وأن الدين العلوى جزء من الديانة المسيحية. وقد حرض الاستعمار الفرنسي على نشر هذه الدعوات وأيدها، وكان من ثمارها "سليمان المرشد" أحد زعماء العلويين الذي أمدته فرنسا بالمال عندما ادعى الألوهية (١٩٤٦) كما فتحت فرنسا باب الهجرة للأرمن إلى سوريا وفتحت بريطانيا باب الهجرة للأشوريين من العراق إلى الجزيرة في سوريا لخلق شعوبية جديدة، وفي العراق استغلت الشعوبية الخلاف القديم بين السنة والشيعة، كما عمد الاستعمار إلى خلق صراع بين الأكراد والعرب في العراق وأجج ثوراتهم وثورات السريان أعوام ١٩٣٠ و ١٩٣١ و ١٩٣٢ وكانت الشعوبية في فلسطين أشد خطرا فإن تصريح بلفور قد أباح قيام شعوبية قيام شعوبية عارمة تهدف إلى خلق حاجز أجنبى بين الأجزاء العربية في آسيا وأفريقيا وفي مراكش خلق أمة من البربر لا صلة لها بالعرب حتى في الدين وذلك بإرجاع البربر إلى التقاليد القديمة، وإيفاد الأرساليات المسيحية إلى المناطق البربرية ومساعدتها في نشر النصرانية ومنع اختلاط العرب بالبربر وجعل الانتقال بينهما يتم بواسطة جواز سفر. ويعد الحزب القومى السورى أكبر منظمة شعوبية قامت في الوطن العربي.

<<  <   >  >>