للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السياسة]

كان الاحتلال الغربي للوطن العربي بدء مرحلة جديدة بعيدة المدى في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية. كانت العربية واقعة تحت الاحتلال البريطانى الفرنسي - وهو الأغلب - تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية. ولم يكن ذلك احتلالا بقدر ما كان ارتباطا قوامه الخلافة والسلطنة وقيام الامبراطورية التي تضم العرب والأتراك وتخضع لنظام اللامركزية. حيث يقوم في كل قطر حاكم أو سلطان يتبع السلطة العثمانية تبعية اسمية قوامها الدعوة للخليفة على المنابر وصك العملة باسمه وجباية الضرائب له. ثم يستقل كل قطر بعد ذلك بشئون حكمه وأنظمته.

ولقد انفصلت مصر والجزائر في وقت مبكر جدا عن الامبراطورية العثمانية بعد احتلال بريطانيا للأولى وفرنسا للثانية في وقت بدأ النفوذ الغربي ينفذ إلى الوطن العربي كله ويسيطر عليه من خلال حكم الخليفة العثمانى عن طريق الامتيازات وحماية الأجانب وانشاء مدارس ومحاكم خاصة بهم ونظم مختلفة للضرائب والتجارة.

ثم بدأت حركات الاصلاح الدستورى تأخذ صورة النظم الغربية في مصر وتركيا وتونس، وسبقت مصر إلى ذلك في نهاية حكم إسماعيل، ثم كان الدستور العثمانى الذي أصدره "مدحت" في أوائل حكم السلطان عبد الحميد ثم النكسة التي استمرت حتى عام ١٩٠٨ عندما صدر الدستور مرة أخرى وتوالت الدعوة في الوطن العربي إلى النظام النيابى الغربي.

حتى كانت الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا الحرب في صف ألمانيا واتفاق العرب مع بريطانيا على دخول الحرب في صفها مع الوعد باقامة حكومة عربية بعد الحرب ثم انسحاب بريطانيا من وعدها وتمزيقها الوطن العربي بالاشتراك مع فرنسا واحتلاله من ثم بدأت سياسة تقسيم الوطن العربي إلى أقطار وجرت محاولة تحويل الأقطار إلى أمم، ونشر دعوة مصر للمصريين والسودان للسودانيين وسوريا للسوريين. وهى دعوات مظهرها الوطنية ولبابها التجزئة.

وأقام الاستعمار في الوطن العربي دعوات لهذه الوطنية الضيقة آزرها وأعانها، وضرب بها القوى الوطنية الثائرة التي دعت إلى الجلاء الشامل والاستقلال الكامل، ثم أسلم اليها زمام الحكم. ودعاها إلى توقيع معاهدات يعترف فيها بالاستقلال مع بقاء جيش الحماية وربطها معه في تحالف حربي، وسيطرة معتمدة على شئون الحكم واستعلاء سلطانه الفعلى على السلطان الشرعى وفرضه الأوامر على رؤساء الحكومات في صورة نصائح، ثم قيام دستور قوامه أنه هبة من الملك أو السلطان، فيتجه في مظهره إلى أن تكون الأمة مصدر السلطات ثم يعطى للملك سلطات واسعة يحقق له بها عزل أى وزارة وايقاف البرلمان وحله ثم يقوم وفق هذا الدستور حكم نيابى على أساس الصراع الحزبى بين أحزاب تتصارع من أجل الوصول إلى الحكم، وارضاء المستعمر والحصول على الغنائم السريعة، أما دعاة الوطنية والجلاء فتظل أحزابهم مبعدة عن الحكم أو يقضى عليهم بالمحاكمات والسجن والنفى لانهاك قواهم والجرى وفق النظام الحزبى وتعزيز الاقطاع وتمكين الحكام والوزراء من التوسع في السيطرة واستغلال الطبقات الفقيرة في الزراعة والصناعة، ويحكم الاستعمار في ظل النظام الدستورى العربي من وراء الوزراء الذين يرشحهم للملك ويفرض أعوانه فرضا في المناصب التي يختارها وعن طريقهم يحقق أغراضه ويملى سياسته عن طريق وزارة المعارف في مناهج التعليم وعن طريق وزارة الحربية في القضاء على القوة العسكرية وأغلالها والسيطرة عليها وعن طريق وزارة المالية في السيطرة على اقتصاديات البلاد.

وقد حمل الفكر العربي الإسلامي لواء الدعوة إلى الوطنية الخالصة في مقاومة الاستعمار - كما حمل من قبل الدعوة إلى مقاومة الاستبداد العثمانى - وأقام في الأدب العربي الغافية ورفع معنويات الأمة ودفع اليأس عنها وتجنيدها للاستشهاد والدفاع عن الوطن ومقاومة الغاصب والأدالة منه، ومن أمثال هؤلاء مصطفى كامل في مصر وعبد العزيز

<<  <   >  >>