أوربا وقوانينها. وهو نفس الضغط الذي وجهه الخديو إسماعيل واتجاه الباى أحمد باشا إلى فرنسا لمعاونته تنظيم جيشه كما فعل محمد على. وقد ظهر في تونس " خير الدين " (١٨١٠ - ١٨٧٩) المصلح الذي قام فيها يمثل اصلاحات مدحت في العراق وسورية وتركيا وقد تعلم خير الدين في فرنسا وفي ١٨٦٠ شكل أول مجلس شورى منتخب. وقد اصطدم هذا المجلس برجال الدين الذين عارضوا الأنظمة السياسية الحديثة على أساس أنها غير شرعية. وقد عين خير الدين رئيسا للمجلس النيابى ولكنه لم يلبث أن اصطدم مع الباى محمد باشا الذي أعلن عند عرضه لبعض المسائل أنه حصل على وعد من قنصل فرنسا لبعض المسائل أنه حصل على وعد من قصنل فرنسا فجابهه خير الدين بأنه لم تكن هناك مدعاة لعرض هذا الموضوع على المجلس.
وقد تعددت الضغوط الأجنبيةن فاستقال وسجل موقفه في صراحة حيث قال: "حاولت أن أسعى بالامور في طريق العدالة والنزاهة فذهب مسعاى سدى وأم أشأ أن أخدع وطنى الذي تبنانى بتمسكى بالمناصب".
ثم فرغ نفسه لدراسة أسس الحضارة الغربية وعوامل قوتها وحمل لواء الدعوة إلى " الاقتباس" من الغرب في ميدان الفكر كما حدث في ميدان الحضارة، وألف في ذلك كتابه " أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك " وهو ما أطلق عليه في الترجمة الفرنسية " الاصلاحات الضرورية للدولة الإسلامة " (صدر ١٨٦٧).
وقد عرض فلسفته في الاقتباس من الحضارة، وكان أكثر جرأة من رفاعة الطهطاوى (١٨٤٠) اجاء بعده بربع قرن. وقد نعى على المسلمين كراهية الأخذ بأساليب المدنية الحديثة في الاصلاح، والاعتقاد بأن كل ما يصدر عن أوربا حرام. أو مخالف للشريعة الإسلامية وقال: أن التمسك بالدين لا يمنع من النظر فيما عند الأمم الأخرى والأخذ بأحسنه فيما يتعلق بالمصالح الدنيوية. وعنده أن الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق الناس بها. وأن على المسلمين الاستعداد لمقاتلة العدو بمثل سلاحه وأن الأخذ بالعلم من أسباب العمران. وقد دعا إلى الأخذ بالفكر الغربي في أساليب الحكم والتنظيم والادارة والأسلحة " كما أخذنا الحضارة في الملابس والأثاث والمخترعات ". وقال أن الأمة التي لا تجارى جاراتها في معداتها الحربية ونظمها العسكرية توشك أن تقع غنيمة في أيديهم ونعى على المسلمين سبق النصارى لهم اذا اجتمعوا في قطر واحد كان النصارى أسبق إلى تشرب المدنية الغربية والاستفادة منها، في الوقت الذي لا يمنع الإسلام من نقل حضارة الغرب
ولا يمانع من الأخذ بنظم ادارتهم مع مراعاة الظروف، وأن لهم أن ينقلوا ما يستطيعون هضمه ثم يوسع هذا شيئا فشيئا بنمو اسباب التمدن. كما دعا إلى الأخذ بنظام الشورى الذي يقيد الحاكم وأشار إلى عوائق التقدم: فحضرها في فئتين، هما: رجال الدين، ورجال السياسة. أما رجال الدين، فانهم يعرفون الشريعة ولا علم لهم بأمور الدنيا. وأن رجال السياسة يعرفون الدنيا ولا يعلمون الدين، وهم يريدون أن يطبقوا النظم الأوربية بحذافيرها من غير رجوع إلى الدين. فنقول للأولين اعرفوا الدنيا. ونقول للآخرين اعرفوا الدين، ودعا إلى امتزاج الطائفتين وتعاونهما. وأنشأ مدرسة عصرية تعلم فىها الثقافة الغربية بجوار الثقافة العربية.
ونعى على العالم العربي أن الحكم النيابى لا يتحقق الا بأحد أمرين: رغبة الملك أو الأمير أو قوة الرأى العام ورغبته رغم اتجاه الملك والأمير إلى الاستبداد. وقال: أن الأمة العريبة لا يزال حكامها يكرهون الحكم النيابى وأن الرأى العام جاهل خاضع.
***
[٢ - مصر: عبد السلام المويلحى (١٨٧٩)]
اتجه الخديو إسماعيل إلى الغرب بحكم الضغط الذي لقبه من الدول الأوربية نتيجة للديون واضطراب الحالة الاقتصاد في مصر. ودعا إلى أن مصر قطعة من أوربا. وقال نوبار رئيس وزرائه (أغسطس ١٨٦٧) أن التقدم لا يأتى الا من ناحية أوربا وأن حكومة إسماعيل تتطلع إلى اشتراك العنصر المتمدين - أي الأوربيين - فيما وتريد أن تكل اليهم كبار أعمالهم. وقد اتجهت إلى تعديل الأنظمة والقوانين دون مشاركة للأزهر فيها والالتجاء إلى القوانين المدنية الفرنسية. وانشاء المحاكم المختلطة لاقرار الامتيازات الأجنبية ولايجاد حصانة للأجانب من محاكمتهم أمام القضاء المصرى.
وقد عمل إسماعيل لتغريب مصر ومحاولة ادماجها ضمن نطاق الشعوب الأوربية على أساس فرض القوانين لا على أساس تنمية وعى الرأى العام أو توجيهه مما كان عاملا حاسما في التعجيل بنهاية إسماعيل، ذلك أن إسماعيل باعتباره حاكما مستبدا تجاهل مقومات الشعب وجمع إلى البذخ والاتجاه التغريبى الفقر والجوع، ولم يكن في الأمة من يحاسبه على هذا الاسراف وقد وفدت في ظل حكمه وبتشجيعه بعثات الأجانب للتبشير والتعليم والتجارة.