للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣)

دور الصحافة

كان الصحافة العربية دورها في يقظة الفكر العربي الإسلامي المعاصر، فقد عاصرت هذه اليقظة وارتبطت بها وكانت عاملا فاعلا منفعلا بها. فالصحافة هى أبرز عوامل الثقافة وأعمقها أثرا، وهى أقوى من المدرسة والكتاب فضلا عن أنها بعيدة الأثر في التيارات المختلفة: الاجتماعية والسياسية، وقد حملت لواء تجدد الفكرى الدينى والدعوة إلى الحرية والاصلاح، مقامة طغيان السلاطين والملوك والأمراء ومهاجمة التدخل الاجنبي والاستعمار. وقد استغلها الحاكم المستبد والأمير والسلطان والاستعمار.

حملت الصحافة لواء الدعوات المختلفة: التجزئة والوحدة، والجامعة الإسلامية والقومية العربية والفرعونية والفينيقية ودعوات التغريب والغزو الثقافي، ودعوات المقاومة وتحرير الفكرى العربي من اطار التبعية الانجليزية أو الفرنسية.

وكانت الصحافة في دورها الضخم تثمل معركة الفكر العربي كله مجسمة في صورة صحف تصدر هنا وهناك في أنحاء الوطن العربي، وفي خارج الوطن العربي في لندن وباريس والاستانة.

ولقى الصحفيون الاستشهاد والغنائم على حد سواء، عاش المجاهدون والأبرار منهم حياة الضمير والكرامة مع الفقر والاضطهاد من الاستعمار وعاش المحترفون العملاء حياة الثراء وكانت أقلامهم نقطر السم وتحرف القول.

وفي هذه الفترة (حتى نهاية الحرب العالمية الأولى) تبدو الصحف في ثوب بسيط تغلب عليه ركاكة الاسلوب الذي تطور إلى أسلوب وسط. مع بساطة الاخراج وغلبة الرأى على الخبر، وغلبة الكتابة على الصورة. وغلبة روح الوطنية الخالصة على روح العمالة للاحزاب والهيئات. وغلبة صحف الأفراد على صحف الشركات والمؤسسات.

× صدرت الصحف في أول أمرها بواسطة الحكام أو الاستعمار. فاصدر محمد على الوقائع المصرية (١٠٢٨) وأصدر والى سورية (حديقة الاخبار) والبى في تونس أصدر (الرائد) وداود باشا حاكم لبنان أصدر جريدة لبنان ١٨٦٧ وصدرت الجوانب في الاستانة موالية للسطان عبد الحميد والخديو في مصر والباى التونسى، كما أصدر الاستعمار صحفا تدافع عن وجوده مثل المبشر في الجزائر (١٨٤٧) والمقطم في مصر (١٨٨٩).

ثم صدرت من بعد صحفا حرة، قام باصدارها الأفراد، ولكنها كانت ذات ولاء من نوع أو آخر، ولم تتحرر الصحف الا حين دعا جمال الدين دعوته في مصر إلى الحرية ومقاومة الاستبداد، حينئذ ظهرت مدرسة الأبرار في عالم الصحف، أولئك الذين صارعهم الحاكم أو الاستعمار أو النفوذ الأجنبى، فأغلق صحفهم واحدة بعد أخرى، ولقوا بعد ذلك السجن والنفى والتشريد، ومن هؤلاء أديب اسحق وسليم نقاش.

× وكان رزق الله حسون أول عربي أنشأ صحيفة عربية هى مرآة الأحوال ١٨٥٥ ثم فارس الشدياق أصدر (الجوانب) الاستانة وأصدر عبد الله أبو السعود (وادى النيل) ١٨٦٦.

× واستطاعت طوائف من أحرار سوريا وصحفها أن نقلت من الحصار وصدرت في القاهرة صحف تهاجم فيها ما يسمى الاستبداد الحديدى والخلافة العثمانية ولم يكن هذا في حد ذاته يعنى الا أن بريطانيا التي كانت تحكم مصر اذ ذلك تشجع مهاجمة دولة الخلافة يحمل أكثر من معنيين فقد كان بالنسبة لبعض كتاب لبنان رد فعل لأحداث سنة ١٨٦٠ والجرى في تيار الاستعمار الفرنسي والبريطانى الذي كان يعمل على تحطيم الامبراطورية العثمانية.

<<  <   >  >>