للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد واجه الفكر العربي في قوة وصراحة ووضوح وعلى نفس المنهج العقلى والمذهب الغربي في البحث كل ما عرضه المبشرون والمستشرقون وخصوم العرب والإسلام، وكشف زيفه. وأبان أن هذه الحملة لم يقصد بها الا توهين عرى الإسلام وتشويه صورته وصرف أهله عنه، وأشاروا إلى صيحة "غلا دستون" رئيس وزراء بريطانيا في عهد الملكة فيكتوريا في مجلس العموم البريطانى وهو يمسك بيده "القرآن" ويقول "أنه ما دام هذا الكتاب باقيا في الأرض فلن يقر لنا قرار في بلادهم".

وقد اعتبرت هذه الصيحة قاعدة للحملة التغريبية الضخمة المتصلة على الإسلام وعلى ضوئها وضع الغرب سياسته في التعليم والثقافة محاولا الادعاء بأن الإسلام ليس في حقيقته الا عبادات وصلوات وطرق صوفية وأن القرآن يقرأ للبركة. مع الاغضاء المتعمد والتجاهل الشامل للإسلام كنظام اقتصادى واجتماعى ونظام للحكم ونظام للتربية والتعليم.

واستتبع هذا، العمل على فصل العلم عن الدين وفصل الدين عن الدولة.

وقد عمل الفكر الإسلامي جاهدا على رد كل الشبهات التي أثارها المبشرون والمستشرقون ودعاة التعريب من أن كلمة الإسلام معناها الخضوع والاستسلام، أو أن الإسلام تاريخيا فرع من الديانة الاسرائيلية والمسيحية (فيليب حتى (ك) الإسلام في نظر الغرب) وكشف عن أن الإسلام لا يعنى الاستسلام وأنه يختلف عن كلتا الديانتين.

***

[٢ - جوهر الإسلام]

وكشف الفكر العربي عن جوهر الإسلام في أنه عقيدة ونظام، وأن مبادئ الإسلام وتعاليمه صالحة للمجتمع على اختلاف الزمان والمكان. وأن أركان العقيدة الإسلامية بسيطة قوامها التوحيد. وقد أقر الإسلام حقوق الحرية والاخاء والمساواة بين البشر، وألغى العصبية وفوارق الأجناس والألوان والدماء، وجعل أساس التفاضل بالعمل وحزم العصبية القبلية ودعا إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونشر الاخاء بين الناس وحمل لواء الجهاد في سبيل الدفاع عن العرض والأرض والوطن ونهى عن عبادة غير الله.

وتشمل الشريعة الإسلامية كافة التكليفات الشرعية العملية، وتنظم العلاقات بين الناس في الأسرة والمجتمع بما يحقق قيام مدنية فاضلة تقوم فيها العلاقات على دعائم ثابتة ودعا إلى الحج كمؤتمر إسلامي عام.

وقد نظم الإسلام المجتمع على أساس الخلق والتعاون والتكافل.

وأقام الأسرة على أساس المودة ونظم العلاقات بين الناس وفرض نظام الشورى في الحكم، وأعلن احترامه للكرامة الانسانية والعدالة وعدم التفريق في القضاء بين الغنى والفقير أو الأمير والسوقة، وأعطى توزيع الأعمال بمقدار الكفاية، وعالج الفقر بنظام العدالة الاجتماعية، وجعل للفقير في مال الغنى حقا معلوما هو الزكاة تجمعه الدولة، وأوجب على ولى الأمر أن ينفق على الفقير العاجز، وللقاضى أن يحكم له بما يكفيه من بيت مال المسلمين، وأوجب على أهل كل قرية أن يقوموا بسداد حاجة فقرائها أن لم تكف الزكاة وأعطى المرأة حقها ومنحها حرية الارادة في البيع والزواج والشراء، وحث على طلب العلم وأقام الحكم العقلى فيه على أساس البرهان "قل هاتوا برهانكم".

وقام الإسلام على قاعدة: لا ضرر ولا ضرار وعلى سد الذرائع واعطاء الوسائل وأحكام المقاصد والغايات فكل ما أفضى إلى مباح فهو مباح، وكما أباح اعطاء الظن الغالب حكم اليقين المجزوم به، وقرر تقنيم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ودعا إلى المساواة بين المسلمين في الأحكام كذلك بينهم وبين من له ذمة وعهد فان لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وعمل على تقدير كثير من الأحكام بما تعورف به الناس وأعلن أن من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ومن اجتهد وأصاب فله أجران.

***

-٣ -

وكان "الإسلام" واسع الأفق في لقاء الحضارة الغربية الحديثة وقد حرر الفكر الإسلامي نفسه بفتح باب الاجتهاد قبل أن تصل طلائع الغزو الغربي فان علماء القرن الثامن عشر قد دعوا إلى فتح باب الاجتهاد بعد أن ظل مغلقا فترة طويلة. وأعادوا تفسير قوانين الإسلام وكشفوا عن وجه الإسلام الحقيقى بعد أن رفعوا الغشاء الذي خلفه الجمود والتقليد.

<<  <   >  >>