-٧ -
محمد فريد والدستور
ويتصل بالتيار السياسى عمل محمد فريد في طلب "الدستور" عقب توليه رئاسة الحزب الوطنى ١٩٠٨ فقد وجه الوطنيين إلى مطالبة الخديو بالدستور وذلك بعد اعلان رد الحكومة على ما طلبته الجمعية العمومية (مارس ١٩٠٧) من أنشاء المجلس النيابى, واشار الرد"بأن الحكومة ترى ان الوقت لم يحن بعد لتشكيل مجلس نواب".
وقدر رأى محمد فريد ان الرد ما هو الا اهانة للأمة واتهام لها بعدم كفايتها النظام الدستورى ورأى ان خير وسيلة للرد على ذلك, القيام بحركة جماعية للمطالبة بالدستور واعدت عرائض وقعت في مختلف انحاء مصر بلغت عشرات الألوف وقد انهالت هذه العرائض على الخديو واشترك في توقيعها أعيان البلاد والمثقفات من السيدات والآنسات وكان لها دوى هائل كان اكبر دعاية للدستور. وقد اكتمل من هذه العرائض ٦١ ألف توقيع في حوالى ألف عريضة.
وقد كان لاعلان الدستور العثمانى (يولية ١٩٠٨) أثره في ازدهار هذه الحركة واضطراب الخديو والانجليز لها. ثم لم يلبث الانجليز (اللورد جراى) أن أعلنوا معارضتهم لحركة الدستور بحجة ان المصريين لا يزالون غير أهل لتحقيق هذا العمل, وقد رد عليهم محمد فريد, بقوله: ان مصر أكثر استعداد وأهلية لحكم نفسها بنفسها من كثير من الأمم الأوروبية, وقال: انها محاولة لادخال اليأس على قلوب المصريين للتأثير على حركة المطالبة بالدستور. وأعلن ان ذلك لن يؤدى الا إلى زيادة الشعور الوطنى قوة.
وقد كان لهذه الحركة أثرها في تطور الفكر السياسى العربي.
-٨ -
محمد عبده: الاجتهاد
وكان للشيخ محمد عبده (المتوفى في ١١ يوليو ١٩٠٥) دوره في الاصلاح الدينى وفتح باب الاجتهاد. وهو دور يختلف عن دور جمال الدين الأفغانى, الذي كان يغلب عليه العمل السياسى وقد لخص الشيخ عبده مذهبه في خمس نقاط:
فتح باب الاجتهاد وعدم الاكفاء بالتقليد.
تجديد شباب اللغة العربية والعناية بأمرها.
محاربة الخرافات والأباطيل التي نسبت زورا إلى الدين.
تحريك رجال الدين من رقادها لأنهم مصابيح الظلام.
الاعتماد في نهضة المسلمين على النهوض بالأزهر لانه حصن الدين ومعقل اللغة.
وكان لمحمد عبده دوره في تطوير الفكر العربي فقد حول الأدب والصحافة من مدح الملوك والامراء, إلى دعوة الاصلاح الاجتماعى وسخر الادب لخدمة الشعب والمطالبة بحقوقه. وفسر القرآن ينطوى على الاجتهاد والسير مع الزمن.
وكان له عمله في أصلاح الأزهر وانشاء مدرسة القضاء الشرعى, وأصلاح المحاكم المختلطة, ومحاربة البدع.
***
وقد بدأ حياته الفكرية بكتابة رسائل أصلاحية في جريدة الاهرام ١٨٧٦, ثم تولى رئاسة تحرير الوقائع المصرية- ونفى بعد الثورة العرابية ست سنوات زار خلالها أوربا وبيروت وتونس وعاد إلى مصر ١٨٨٨ حيث وجه اهتمامه إلى هدفين هامين (١) تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف هذه الأمة قبل ظهور الخلاف والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى (٢) أصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير سواء في المخاطبات الرسمية أو المراسلات بين الناس.
وقد قاوم محمد عبده بقلمه كل ما وجه إلى الإسلام من الاتهامات وكان أبرز موقفين له رده على هانوتو عن روح الإسلام وموقفه من الاستعمار, ورده على فرح أنطون عن: سماحة الإسلام وموقفه من العلم والعلماء وحرية الرأى.