موقف التغريب
إزاء الفقه والتشريع الإسلامي
كانت معركة الإسلام الكبرى مع التغريب هى مواجهة الادعاء بأن الإسلام دين عبادة وصلوات وطرق صوفية وأن القرآن كتاب يقرأ للبركة، وأن الإسلام بذلك يجب فصله عن الدولة.
وقد حاول التغريب ودعاته تأكيد هذه النظرية الخاطئة في كل بلاد العالم العربي والإسلامي بواسطة أجهزتهم المختلفة من صحافة وكتابة وجامعات ومحاضرات وأبحاث وذلك حتى يتم القضاء على الإسلام كنظام ومنهج اجتماعى وسياسي كامل.
والواقع كما يقول (نبيه أمين يونس) وهو احد المفكرين العرب المتصلين بدوائر الغرب (ك: هذا العالم العربي (ص ٤٦) أن الإسلام نظام تام شامل لمتطلبات الدنيا والآخرة، وهو دين يعين علاقة الانسان بربه، وهو نظام اجتماعى يحدد شكل الأسرة وعلاقة الأفراد بعضهم ببعض، وسلوك الأفراد في معاملاتهم الدنيوية، وهو نظام سياسى وتشريع مدنى يعين شكل الدولة وعلاقة الحاكم بالمحكوم وهو إلى ما تقدم علم ومدنية وتاريخ) وأنه لهذا كان بعيد الأثر "فى توحيد العرب والمسلمين عاطفيا وربطهم بوحدة المثل الأعلى وجعل النظم الاجتماعية والفكر متسابهة".
وقد أشار جب إلى أن "التغريب" استطاع أن ينزل الإسلام من فوق عرشه في أنظمة الحكم والاجتماع والاقتصاد والتربية والتعليم.
وكان أهم ما دعا اليه الغربيون فصل العلم عن الدين وفصل الدين عن الدولة.
وفي مجال الفقه الإسلامي أسقط ألاستعمار النظم الإسلامية والقوانين القائمة وفرض بدلا منها الأنظمة والقوانين الأوربية المستمدة من الشريعة اليونانية والمسيحية دون النظر إلى وجه الالتقاء او الخلاف او الحاجة.
وأثار في ظل ذلك حملة ضخمة على الفقه والتشريع الإسلامي متهما اياهما بالقصور وعدم القدرة على الاستجابة والتطور.
غير ان هذه الحملة قد تحطمت على صخرة عاتية، فقد عقدت مؤتمرات قانونية عالمية أشادت بالشريعة الإسلامية، كان أبرزها مؤتمر القانون المقارن في لاهاى عام ١٩٣٢ الذي أكد مركز الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع بعد البيانات والأبحاث التي قدمها الدكتور عبد الرازق السنهورى وعلى بدوى ومسيو لامبير وكان من نتيجة هذه الأبحاث أن قرر المؤتمر بالاجماع ان "الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر القانون المقارن وهى حية صالحة للتطور ومسايرة المدنية الحديثة وأنها جديرة بأن تشكل مصدرا ممتازا من مصادر القانون وأكد استقلالها عن التشريع الرومانى".
وقد أيد كثير من الباحثين الأوربيين المنصفين قوة الشريعة الإسلامية وقدرتها على مواجهة مطالب العصر، وكان المسيو أدوار لمبير ناظر مدرسة الحقوق الخديوية في القاهرة عام ١٩٠٦ كان قد أعد مؤلفا عن القانون المقارن ضمنه فصل عن الشريعة الإسلامية، فلما جاء مصر اتصل بأعلام الشريعة وتاريخها وأصول تطبيقها، وقد كان يظن أن القانون الرومانى أثر تأثيرا كبيرا في الشريعة الإسلامية ولكن تبين له بعد ذلك أن هذه الشريعة مستقلة بذاتها. وأعلن أن في الشريعة الإسلامية كنز لا يفنى ومتبع لائيضب وأنه خير ما يلجا اليه المصريون في العصر الحاضر في البحوث العلمية حتى يعيدوا لمصر وبلاد العرب هذا المجد العلمى" وقال أنه استبان له أن ليس للقانون الرومانى أى أثر في الشريعة الإسلامية وانها شريعة مستقلة.
وأعلن ليفى أولمان أستاذ الحقوق بجامعة باوميس.