-٦ -
تيار الاصلاح الاجتماعى
كان من أبرز عوامل يقظة الفكر العربي المعاصر: ظهور تيار (الاصلاح الاجتماعى) هذا التيار الذي ارتبط بالصحافة والتعليم ونشأة الجماعات والهيئات وكان في أول أمره جزءا من تيار تجديد الفكر الدينى، ثم انفصل عنه واصبح تيارا مستقلا.
ولقد كان المجتمع العربي يمر في أوائل القرن التاسع عشر بمرحلة من أقسى مراحل التأخر والاضطراب نتيجة لتحكم الأمراء والولاة واستبداد الاقطاعيين وتحكمهم في الفلاحين، وزاد من ذلك الاضطراب تغلغل الاجانب في الوطن العربي وسيطرتهم على مرافق التجارة ودوائر المال والاقتصاد.
وكان الحكم القائم لا يهتم بالشعوب الخاضعة لسلطانه ولا يحرص على تطهير البلاد من الفساد مما استدعى انتشار الرشوة وسوء السيرة وسفك الدماء وتسلط الأمراء على الفقراء. وقد كان هؤلاء الامراء على جانب كبير من السفاهة مما أدى إلى انتشار الفساد والمنكرات، فقد كانت تساق إلى قصور الخلفاء والامراء الجوارى اللائى كان لهن عملاء ومستوردون وأسواق.
كما كان الخلاف بين أمراء المماليك في مصر وحروبهم كانت من أسباب عزلة الشعب وانفصاله عن الأحداث وهروبه إلى الصوفية والزهادة.
وقد بدأت في عهد سليمان القانونى (١٥٢٠) سيطرة الأجانب على بلاد المملكة العثمانية وحصولهم على الامتيازات، التي كانت سلاحا موجها ضد الشعب حيث مكنت هؤلاء الأجانب من السيطرة على أعمال الربا والمضاربة وغزو المسارح والحانات والمسكرات واستقدام المغنيين والقيان الجوارى مما دفع الاغنياء إلى انفاق أموالهم في هذا السبيل وسيطر الأجانب على الاقتصاد كله عن طريق انشاء الخمارات على كل قرية يبيعون لاهلها الخمور ويتاجرون بالربا
بذلك انتقلت الثروات وتحول عدد كبير من الاثرياء إلى فقراء.
وامتد هذا النفوذ حتى سيطر الاجانب على الاقتصاد والمجتمع سيطرة كاملة، وقد صور الجبرتى انتشار الرشوة وانعزال المجتمع بقوله: الأمراء في تصورهم وحواشيهم في جانب، والشعب الفقير الجائع في الجانب الآخر يستنزف خيراته مما خلق الحقد والكراهية والمقت والاستسلام.
وزاد في عمق هذا التمزق جمود رجال الدين وانضواؤهم إلى صف الأمراء يقدمون الفتاوى التي تؤكد سلطانهم وطغيانهم.
وكان أغلب أهل الطبقة العليا هم من الاتراك والاجانب، وهم الحكام واتباعهم، ولهم عصبة انفصالية عن الامة وقد شغفوا بتقليد الافرنج في أمور الطعام والشراب والقصور وانتقل ذلك إلى الطبقات التالية بعدها بالتدريج.
وكان لتغلغل الاجانب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر أثره في الأخلاق الاجتماعية فقد تحول الأثرياء من الطبيعة الجماعية المعروفة في البلاد العربية إلى الطبيعة الفردية والأنانية، القادمة من الغرب.
وانتقل الأغنياء من البذل إلى البخل وتوقف عمل الخير وأغلقت البيوت التي كانت دائما مفتوحة لاستقبال ذوى الحاجات، واتجهت هذه الاموال الطائلة إلى الملاهى والملذات وأنواع الترف. وقد أحصى عدد البيوت التي أخربها الاسراف في خلال السنوات ١٨٩٤ - ١٨٩٩ فوجدت ٣٦٣ بيتا بمعدل بيت كل خمسة أيام.
وقد كانت هذه الطبقة تتكلم التركية والفرنسية،