وتكره العرب والوطنيين وتعتبرهم خوله وفلاحين وخدما لهم ويعتقد هؤلاء أن هذه البلاد ليست الا مزارع لهم، ولذلك كانوا يترفعون عن الاندماج أو الامتزاج بالطبقات المختلفة. وقد حرص الاستعمار البريطانى بعد أن سيطر على مصر عام ١٨٨٢ أن ينشئ طبقة جديدة من أعوانه فأعطى الفرصة لظهور ١٦٢٠ أسرة كبرى استطاعت أن تحصل على نصف مليون فدان (فقد زاد عدد الملاك من ١١٣٢٠ مالكا عام ١٨٩٤ إلى ١٢٨٤٠ مالكا عام ١٩١٤ وزادت أملاكهم من ٠٠٠,٩٩٧,١ فدانا إلى ٠٠٠,٣٧٨,٢ فدانا) ومن هؤلاء جند الاستعمار الوزراء والذوات والكبراء ولم يفت الزعيم أوطنى "محمد فريد" أن يعلق على هذه الظاهرة البعيدة المدى في المجتمع المصري فقال: لو كان ذاوتنا وكبراؤنا من ذوى الشرف وأصحاب النخوة لامتنعوا عن قبول الوظائف العالمية بهذه الحالة، ولكن الكل يغار على ماهيته وابهته أكثر مما يغار على اسمه واستقلال وطنه، وكيف يكونون كذلك وهم الذين ساعدوا الانجليز على احتلال بلادهم ويساعدونهم الآن على اكمال ضمها لأملاكهم".
من المفارقات أن "محمد فريد" أنفق على الجهاد في سبيل تحرير مصر ما يزيد عن ألف وخمسمائة فدان من ميراثه عن أسرته التي كانت تملكه قبل الاحتلال.
أما الشعب فقد كان الضحية لتسلط الحكام والامراء على الأراضى الزراعية باستيلاءهم على خيراتها، وحرمان أصحابها الفلاحين. واستولى محمد على في مصر على أراضى الملاك بتنفيذ نظام الاحتكار وحولهم إلى عمال زراعيين.
وقد اضطروا لظروفهم القاسية ومظالم الولاة والحكام إلى التعامل بالربا وقد أحصى في مصر (١٨٩٨) ٥٠ بيتا لتسليف النقود بالربا وظهر في سجلات المحاكم المختلطة أن قيمة الدين المسجل على الفلاحين هو ٣٠٠,٣٢٣,٧ جنيها مصريا، وبلغ تقدير الديون غير المسجلة ضعف هذا المبلغ، وانه قد لحقت بالاهالى عام ١٩٠٠ خسارة قدرها ١٠ آلاف جنيه بسبب مضاربات البورصة والشراقى.
ومن أخطائهم أن احدهم قد يستدين مبلغا ليشترى أرضا يبلغ ثلث دخلها الطبيعى نصف ربا الدين.
وقد أغراهم الأجانب بشراء الأسهم والسندات.
وبلغ عدد سماسرة هذه الشركات في مصر وحدها ثلاثة آلاف فكانوا يسرحون في القرى والبنادر، ومما يتصل بذلك ما ذكره (المؤيد) من أن اجنبيا أنشأ بيتا ماليا رأس ماله ألفى جنيه، أصبح بعد ثلاث سنوات يملك خمسين ألف جنيه.
وقد تم احصاء في القاهرة (١٨٩١) عن المحلات التي كانت تستعمل قهاوى وخمارات فبلغت ٩٤٧٥ محلا يبيع في السنة بمبلغ ٠٠٠,٧٣٠,١ جنيه ووصل هذا المبلغ إلى ٠٠٠,٤٠٠,٣ جنيه في القطر كله، وأغلبها بيد الأجانب والذى سجلناه عن مصر قد حدث مثله في مختلف انحاء العالم العربي.
(الاحصائيات من كتاب حاضر المصريين أو سر تأخرهم-١٩٠٢).
أما التجارة فقد توسع فيها الأجانب وتضائل الوطنيون في مختلف العالم العربي، وأصبحت التجارات الناجحة كالسجاير وتجارة البيض في مصر حكرا على الأرمن واليونان.
وقال كرومر في تصريح له: لقد تحولت واجهات المحلات التجارية في مصر في خلال سنوات قليلة بعد الاحتلال البريطانى إلى محلات أجنبية واختفت أسماء المصريين من واجهاتها.
وقد علل "محمد عمر" في كتابه (حاضر المصريين) السر في تأخر المصريين إلى أنهم يأتمنون على متاجرهم اجانب او عجائز متقدمين في السن يستفزون ثرواتهم وأنهم لا يفتحون محلاتهم الا ضحى ويتركونها لهؤلاء العمال لحبهم النوم ظهرا، وهذا لا يفعله الاجانب". وقد تأثرت الأسرة المصرية نظرا لفساد أنظمة المحاكم المختلطة. كما كان لانتشار المتصوفة الذين يدعون معرفة الأسرار وسقوط التكليف السماوى أثره في فساد معنى الدين، وقد حرص الأجانب على حضور حلقاتهم ونقلوا هذه الصور على أنها صورة الإسلام، وكان يعمل في القاهرة وحدها ٨٠ مولدا في السنة يظهر فيها عديد من الأخطاء الاجتماعية.
وأدى احتلال مصر إلى التوسع في اخطار (١) الدعارة الرسمية (٢) المخدرات (٣) الاقطاع والرق الاجتماعى