ودافعت الصحف عن اسلوب الهجاء, فقال حافظ عوض عنه (٢٠/ ١/١٩٣١) لا أعده سبا، وانما هو انتقاد ومداعبة ألفها الكتاب في العهد الأخير- واحتفلت الأهرام بذكرى المائة الأولى لمولد غردون في ٢٢/ ١/ ١٩٢٣ وعندما اشتدت حملة التبشير وحملت الصحف لواء الهجوم، وقال طه حسين: ساخرا بذلك كله "من المحقق أن الإسلام لن يضعف به (أى التبشير) وأن المسيحية لن تقوى" أو، والكاتب يمكن أن يخرج من صحيفة إلى أخرى اذا زيد أجره، وربما كان معنى خروجه تغيير مذهبه السياسى أو أرائه السياسية.
وقد هاجمت الصحف الوفدية: خصمين هما: صحف الأحرار وصحف الحزب الوطنى، أما الأحرار فهم الطبقة ذات النفوذ الأسرى التي انفصلت عن الوفد واعتنقت مذهب حماية مصالح الطبقة الجديدة من أعوان الاستعمار البريطانى التي تنافس الطبقة التركية القديمة نصيرة فرنسا وتركيا، بينما تناصر الطبقة الجديدة بريطانيا.
أما الحزب الوطنى فأنه صاحب الدعوة إلى الجلاء، وقد لقى هذا الحزب هجوما عنيفا من الوفد واتهم بالاغراق في الخيال.
ووصفت الصحف الوفدية مصطفى كامل بأنه "شحاذ يلبس الردنجوت" واتهمت محمد فريد بأنه استقراطى ليس من الشعب.
وكان حزب الأحرار متابعة لحزب الأمة على نفس الأسس وكان أعضائه هم أبناء الجيل الثانى لمؤسسه. وكان هيكل هو خليفة لطفى السيد في قيادة الرأى ورئاسة تحرير الصحيفة.
ولم يذكر حزب الأحرار في برنامجه كلمة الجلاء.
وكان موقف الصحف كموقف الكتاب، فقد ناصرت الأهرام جميع الحكومات بلا استثناء ولم تكتب كلمة هجوم واحدة ضد محمد محمود أو إسماعيل صدقى أبان حكمهما الاستبدادى الذي قيدت فيه الحريات وحطمت القيم عام ١٩٢٩ و ١٩٣٠.
وانتقلت بعض صحف الوفد من تأييد الوفد إلى خصومته ثم عادت إلى الوفد كرة أخرى وتحولت جريدة الشعب من مالك إلى مالك وتحول الكتاب معها كالعبيد - على حد تعبير محمد زكى عبد القادر.
ولطالما هاجمت الصحف واحدا من الزعماء أو رؤساء الحكومات واتهمته بالخيانة ثم عادت واثنت عليه، وضفرت له أكاليل الغار، أمثال توفيق نسيم - الذي اتهم بالخيانة، ثم وصف بالوطنية وقال عنه سعد زغلول أنه يستحق تقدير الوطن.
***
[القومية العربية]
ووقفت الصحف المحايدة من القومية العربية موقفا غامضا فكانت تسمى الدول العربية: الجارات الشرقيات .. وكان الاستعمار البريطانى والنفوذ الفرنسي في مصر وهما المسيطران على الصحف على حرص شديد بأن لا تحمل مصر لواء الدعوة إلى الوحدة العربية أو معانى الروابط العميقة الجذور، فاذا تحدثت عنها بين آن ولآن رسمت مصر بصورة الزعامة والقيادة والتعالى عن الأمة العربية.
ولعبت المصروفات السرية دورا كبيرا في حياة الصحافة المصرية، وكانت في كثير من العهود سلاحا من اخطر الأسلحة على الصحافة: وقد قيل أن الصحافة كانت تدار بطريقة لولبية، تعارض أو تبدو انها تعارض ولكن لا يمنع معارضاتها من أن يقبض أصحابها ثمنا (جلال الحمامصى - ك صحافتنا).
وقال الدكتور عزمى (رسالة الصحافة- الأهرام ٧/ ٤/١٩٣٦) أن بعض الصف لها اتصالات بسفارات وأنظمة تعمل بواسطتها على تأييد وجهات نظرها الخاصة أو تقدميها للجمهور على نحو قد يبعد قليلا أو كثيرا عما تريده السياسات القومية للرأى العام من توجيه".
وقال فكرى أباظة: أن الصحافة كانت قبل الاستقلال المزيف والبرلمانية المزيفة لا تخدم الا الكفاح والجهاد. أما اليوم فالبرغم من انتعاشها وانتقاضها ويسرها وغناها واستفحالها تعمل موظفة عند مختلف الأحزاب ننقل للرأى العام أوامر الزعماء وأغراض الزعماء وأهواء الزعماء
وتقتتل فيما بينها، فبعد أن كانت آمرة أصبحت مأمورة، وبعد أن كانت موحية أصبحت تتلقى الوحى، وبعد أن كانت وصيلة الصلة بالشعب اتخذتها عصابات الأحزاب أداة مسخرة لشهواتها ومطامعها فدفنت رسالتها العالمية الحرة المستقلة في قبر من قبور العبودية الحزبية ورمس من رموس الموتى".