للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مدخل]

تأثر الفكر العربي الإسلامي المعاصر بعوامل متعددة كانت بعيدة المدى في يقظته وتطوره ويمكن اجمال هذه العوامل في عبارة واحدة هى " التحدى والاستجابة " أو التحدي ورد الفعل.

فقد كان الفكر العربي الإسلامي إلى ما قبل اصطدامه بالغرب الزاحف يعيش حياة منبثة يغلب علهيا الركود والضعف والانطواء.

وكان هذا طبيعيا بالنسبة للجمود الذي خيم على العالم الإسلامي كله نتيجة للمرحلة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية في خلال القرون الثلاثة الأخيرة بعد أن دخلت هه الدولة مرحلة الضعف إلى وصفت فىه " بالرجل المريض " وهى نفس القرون الثلاثة التي استيقظت فيها أوربا ودخلت خلالها معركة النهضة التي سيطرت فيها على العام وانفصلت على الكنيسة وتحررت من المسيحية ودعت إلى العلم التجريى ونظريات المادية والجنس، ثم كانت الثورة الفرنسية (١٧٨٩) التي اعتبرتها أوربا قمة انتصاراتها في مجال الحرية وفي خلال لك ظهرت عوامل الاحتكام بين الشرق والغرب التي بدأت بالاستكشاف ثم تطورت إلى التجارة إلى الاستعمار.

وكان ها الاحتكاك هو المعركة الثانية بين الشرق والغرب بعد مضى أربعة قرون على نهاية الحروب الصليبية (١٢٩١) وقد كانت الحملة الفرنسية على مصر هى أول حركة استعمارية للعالم العربي (١٧٩٨).

كان لهذا الاصطدام بين العالم العربي وأوروبا " بداية الاستجابة للتحدى "، بل يمكن القول بأن اليقظة الفكرية العربية بدأت قبل الحملة الفرنسية بأكثر من أربعين عاما، عندما بدأت أول حركة فكرية عربية إسلامية هى " الوهابية " عام ١٧٥٧ كرد فعل على انهيار تركيا العثمانية وجمودها ومقاومة للمجهود الذي ران على التفكير العربي الإسلامي.

هنا بدأت هذه المعركة التي نطلق عليها " التحدى والاستجابة "، كانت الحملة الفرنسية في أوائل القرن التاسع عشر هى بدء هذه المعركة الضخمة التي ما تزال ممتدة حتى اليوم: معركة التحدى ورد الفعل.

كانت الحضارة التي حملها الاستعمار معه باهرة مثرة فتح الوطن العربي عنيه عليها، فاضطرب فترة حيث التقت بالضوء بعد الظلام الطويل ثم لم يلبث أن واجهها ولم يقبلها الا بتحفظات.

وقد حل الاستعمار معه حضارته وثقافته إلى العالم الإسلامي كسلاح من أسلحة الغزو والاحتلال، بل لعلها قمة الأسلحة الضخمة البعيدة المدى بعد أسلحة الغززو العسكرى، اذ كانت الأداة التي حرص الاستعمار على استعمالها لتأكيد الغزو ولاقرار بقائه في المناطق التي احتلها، فقد رسم الاستعمار خطته على أساس أن يقضى على الحياة الفكرية العربية الإسلامية بالغزو الفكرى والثقافي الغربي ومحو اللغة والدين واحلال لغة أخرى ودين آخر وثقافة أخرى مكانها، مما يمكن له - أى الاستعمار - بالبقاء الطويل، ومما يحول الغزو إلى عملية ادماج كاملة وتجنيس لأهل المنطقة العربية، فقد كان حريصا على أن يمحو وجود العرب محوا نهائيا. وقد كان الاستعمار الفرنسي والانجليزى، - وقد تقاسما المنطقة - (بالاضافة إلى الاستعمار الأسباني والايطالى) حريصا على أن يحطم الشخصية العربية ويقضى على وجودها أو يمحوها وكانت لمحاولة الاستعمار الفرنسي في الجزائر ثم محاولة الاستعمال الايطالى في ليبيا دلالة واضحة على ذلك الاتجاه الذي تحطم من بعد، على أثر المقاومة الضخمة التي واجهت بها الامة هذا الاستعمار.

ونحن في هذا البحث انما يعنينا الغزو الفكرى والثقافي وأثره في تطور الفكرى العربي الاسامى المعاصر.

كل هذا الفكر العربي فكرا إسلاميا خالصا، ثم تطور مع انتفاضة اليقظة إلى فكر قومى ووطنى وسياسى يقوم على أساس التحرر من الاستبداد الداخلى والاستعمار الغربى.

<<  <   >  >>