وقد كان أبرز ما في هذا العمل الايجابى الضخم أنه أول تجمع لمقاومة الإلحاد وخصومه الغرب المثقف الذي ورد جامعات أوربا وأحرز أرقى درجات جامعات لندن وفيينا وغيرها. وقد كان هذا أبلغ رد على المثقفين الذين كانوا يحملون لواء الدعوة إلى التغريب ويهاجمون الإسلام ويدفعون الفكر العربي إلى مهاوى الحيرة والشكوك باذاعة الآراء الإلحادية والدعوات الاباحية كتلاميذ وأتباع المستشرقين والمبشرين ومؤازرين للاستعمار وعملاء للغزو الثقافي، ولاشك أن الجماعات الأخرى التي تفرعت عن الشبان المسلمين كنواة أولى للتجمع الفكرى كان لها دورها في العمل للإسلام في الفترة التالية لهذه الفترة التي نؤرخها مما ليس مكان بحثه هنا، وقد أبرزت جماعة الشبان المسلمين دورها في "الأخذ من محاسن حضارتى الشرق والغرب وترك ما فيها من مساوئ". غير متكلفة ولا معروفة عن الماضى الصالح والحياة العصرية النافعة لتقضى في ذهن الشباب المسلم على الفهم المخطئ لحياة التدين من أنها حياة الجمود على القديم ولو كان فاسدا والتغلب على الحديث ولو كان صالحا. والانفصال بين التفكير في الدنيا والدين والانعزال عن تيارات الياة ومصارعتها وسوء الظن فيها والرهبة منها فقد آمنت الجمعية (ص ١٥ من ١ ك) ٣٠ عاما من حياة الشبان المسلمين) من أول يوم بأنه لا نهوض للمسلمين الا بالحرص على الباقيات الصالحات من حضارة الشرق ومواريثه والحرص على اقتباس كل ما هو نافع مقيد من حضارة الغرب التي فيها من العلوم والفنون والآداب والأعمال ما جدد الحياة وأضاف اليها عجائب كثيرة وجعل المتخلفين عن الأخذ بها محكوما عليهم بالضعف والضياع" ا. هـ.
***
[ترجمة معايى القرآن]
كانت فكرة "ترجمة معانى القرآن" التي حمل لواءها محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر منذ عام ١٩٢٨ من أعمال مقاومة الغزو الثقافي والتغريب، ذلك أن الغربيين كانوا قد ترجموا القرآن منذ منتصف القرن الخامس عشر (١٤٥٧) عن طريق المبشرين وتوالت الترجمات التي بلغت ٣٤ ترجمة، وهى ترجمات مغلوطة محرفة ناقصة في بعضها ومزيدة في الأخرى، وقد انتشرت هذه الترجمات في مختلف أنحاء العالم على أنها ترجمة حقيقية للإسلام، وقد استعملها بعض من لا يعرفون اللغة العربية، ولما كان في ذلك من الخطر ما فيه على مفاهيم القرآن وبلاغته فقد كان لابد من القيام بعمل من هذا النوع لترجمة "معانى القرآن" ترجمة صادقة.
وقد جرت معارك فكرية طويلة ١٩٣٢ و ١٩٣٥ و ١٩٣٦ حول ما اذا كانت الترجمة للقرآن هى ترجمة كاملة أم ترجمة معانى القرآن، وقد ذكرت مشيخة الأزهر (١٦/ ٤/١٩٣٦) أن تراجم القرآن إلى مختلف اللغات الأعجمية قد شاع في هذا العصر وأن بها أخطاء وأغلاط شائنة تتنافى مع ما جاء في الدين الإسلامي الحنيف وهى من أجل ذلك قد أنشأت قسما خاصا من مجلة نور الإسلام واستقدمت الأخصائيين في اللغات الذين ناطت بهم ترجمة تفسير بعض الآيات وأخذت من تفسير الألوسى والبيضاوى وغيرهما من التفاسير.
وأشارت إلى أن المراد من ترجمة معانى القرآن الكريم هو "بسط هذه المعانى تبسيطا محكما وتفسيرها تفسيرا دقيقا على أن تترجم المعانى بعد ذلك، وقالت أن القرآن لفظ عربي معجز وله معنى، أما نظمه العربي المعجز فلا سبيل إلى نقل خصائصه لأن هذا مستحيل استحالة قطعية.
ودعا محمد فريد وجدى إلى ترجمة القرآن ترجمة صحيحة كاملة، وذلك حتى يكون بنجوة من تحريف المحرفين وقال أن هذا العمل خير من أن يترك المترجمين من متعصبة الأمم يحرفونه ويشوهون معانيه.
ونعى فريد وجدى على أسرار بعض العلماء على حبس الإسلام في دائرة العربية التي لا يحسن فهمها غير أهلها وتجريده من الأسلحة العالمية وهى اللغات الحية للدفاع عن نفسه، وقال أن وضع القيود غير المعقولة في مسألة نقله يقضى عليه بهزيمة منكرة تقع نتائجها علينا وعلى أعقابنا قرونا طويلة، ومعناه صده عن الجولان في الدورة الفكرية العالمية مع غيره من كتب الأديان وأسفار المذاهب.
وقال: أن الاكتفاء بترجمة تفسير لا يؤدى الغرض المطلوب من نشره، لأن المفكرين في العالم يحبون أن يتأملوه عاريا من زخرف التفاسير والشروح وألوان الآراء والأفهام لمعرفة قيمة الذاتية.
وقال أن كل ما يخشى منه أن يوكل أمر البت في هذا الشأن لمن لا يعرفون لغات أجنبية فيخيل اليهم أنها لغات بربرية تخلو من جميع الزخارف اللفظية والمعنوية التى