للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٤)

مدرسة الافغانى الفكرية وآثارها

(مصر من ١٨٧١ - ١٨٧٩)

كان لجمال الدين دوره في تطور التيار السياسى في الفكر العربي المعاصر, وقد اختار مصر من بين بلاد العالم العربي كله لاذاعة دعوته لتحرير العقول من قيود الجمود واتجاهه إلى اصلاح الفكر الدينى, وخلق الفكر السياسى عن طريق توجيه الخطابة والكتابة والصحافة. إلى الحرية ومقاومة الاستبداد وتطهير العقيدة وقد عرف بخصومته للاستعمار البريطانى. وكان له مواقفه الواضحة مع إسماعيل وشاه ايران كجزء من خطته لمقاومة تسلط الملوك والأمرء وقد بعث "روح الكرامة" في العالم الإسلامي وآمن بأن يقظة الروح العربية, هى العامل الأول في استعادة مجد الإسلام. وكان لدعوته أثرها في الثورات: العرابية المصرية والفارسية والتركية.

وكانت وسيلة جمال الدين اخلق الوعى السياسى في العالم العربي وتحرير الفكر من قيود الاستبداد وخلق روح الكرامة والعزة ومقاومة المستعمر "هو الثورة السياسية"، فقد رأى تغلغل النفوذ الأجنبى وتسلط الملوك مما حمله على الطعن في الحكم الاستبدادى والدعوة إلى الحد من سلطانهم بالدستور.

وكان ايمانه بالثورة السياسية نابعا من اعتقاده بأنها أسرع الطرق وآكدها في تحرير الشعوب. ولذلك رأى جواز خلع وقتل أمراء المسلمين الذين يشجعون النفوذ الأوروبى. وفي حديث له مع الاستاذ (براون) قوله: لا أمل في الاصطلاح قبل قطع ستة أو سبعة رءوس وسمى بالاسم: شاه العجم, وزرائه (كتاب: الإسلام والجديد) وقد كثرت المناقشة بين أنصار جمال الدين في الوسائل التي يمكن بها خلع الخديو إسماعيل أو أغتياله، اذا أستعصى خلعه (بلغت: التاريخ السرى).

وقد جاءت دعوة جمال الدين السياسية (وله دعوة

أخرى إلى الجامعة الإسلامية لها مكانها) في نفس الوقت الذي إسماعيل يعمل على ادخال الافكار الأوربية على نحو سريع وقد كان أوائل أقامته في مصر, يرى أن أى مجلس نيابى يشكله أمير أو ملك, هو مجلس موهوم، موقوف على أرادة من أحدثه. وانه لابد للقوة النيابية أن تنبعث من ضمير الأمة ووعيها. ولكنه عاد في أيامه الاخيرة، فحرص على طلب الحكم النيابى والاصرار عليه- ولعل هذا الأمر حدث بعد اعلان الدستور العثمانى الأول وفشله (١٨٧٦ - ١٨٧٧) ويذكر مؤرخوه أنه لم يدخل في السياسة ألا في خلال ١٨٧٨، أى بعد توقف الدستور العثمانى، وقد استدعاه الخديو توفيق ليناقشه في مدى أحقيه "المصريين" للحكم الدستورى الشورى وقال لجمال الدين: أن أكثر الشعب خامل جاهل لا يصلح أن يلقى عليه ما تلقونه من الدروس والأقوال المهوجة فيأتون أنفسهم والبلاد في تهلكه. فانبرى جمال الدين يفند للخديو رأيه في جرأة وايمان برأيه قال: ان الشعب المصري كسائر الشعوب لا يخلو فيه من وجود الخامل والجاهل بين أفراده، ولكنه غير محروم من وجود العالم العاقل. فبالنظر الذي تنظرون به إلى الشعب المصري ينظر اليكم، وان قبلتم نصح هذا الملخص، وأسرعتم في اشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى فتأمرون باجراء انتخابات نواب عن الأمة تسن القوانين وتنفذها بأسمكم وارادتكم يكون ذلك أثبت لعرشكم وأدوم لسلطانكم.

وقد عدل "جمال الدين" الكثير من النظريات الفكرية فحول الأدب والصحافة من مدح الملوك والأمراء إلى دعوة الاصلاح، وسخر الادب لخدمة الشعب والمطالبة بحقوقه، وقاوم نظرية الزهد الصوفية السائدة في العزلة عن المجتمع.

<<  <   >  >>